قوله تعالى: إن الصفا والمروة من شعائر الله
في سبب نزولها ثلاثة أقوال .
أحدها: أن رجالا من الأنصار ممن كان يهل لمناة في الجاهلية - ومناة: صنم كان بين مكة والمدينة - قالوا: يا رسول الله! إنا كنا لا نطوف بين الصفا والمروة تعظيما لمناة ، فهل علينا من حرج أن نطوف بهما؟ فنزلت هذه الآية . رواه عن عروة . عائشة
والثاني: أن المسلمين كانوا لا يطوفون بين الصفا والمروة ، لأنه كان على الصفا تماثيل وأصنام; فنزلت هذه الآية . رواه عن عكرمة وقال ابن عباس . كان وثن على [ ص: 164 ] الشعبي: الصفا يدعى: إساف ، ووثن على المروة يدعى: نائلة ، وكان أهل الجاهلية يسعون بينهما ويمسحونهما ، فلما جاء الإسلام كفوا عن السعي بينهما ، فنزلت هذه الآية .
والثالث: أن الصحابة قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: إنا كنا نطوف في الجاهلية بين الصفا والمروة ، وإن الله تعالى ذكر الطواف بالبيت ، ولم يذكره بين الصفا والمروة ، فهل علينا من حرج أن لا نطوف بهما; فنزلت هذه الآية . رواه عن الزهري عن جماعة من أهل العلم . قال أبي بكر بن عبد الرحمن إبراهيم بن السري: الصفا في اللغة: الحجارة الصلبة الصلدة التي لا تنبت شيئا ، وهو جمع ، واحده صفاة وصفا ، مثل: حصاة وحصى . والمروة: الحجارة اللينة ، وهذان الموضعان من شعائر الله ، أي: من أعلام متعبداته . وواحد الشعائر: شعيرة . والشعائر: كل ما كان من موقف أو سعي أو ذبح . والشعائر: من شعرت بالشيء: إذا علمت به ، فسميت الأعلام التي هي متعبدات الله: شعائر الله . والحج في اللغة: القصد ، وكذلك كل قاصد شيئا فقد اعتمره . والجناح: الإثم ، أخذ من جنح: إذا مال وعدل ، وأصله من جناح الطائر ، وإنما اجتنب المسلمون الطواف بينهما ، لمكان الأوثان ، فقيل لهم: إن نصب الأوثان بينهما قبل الإسلام لا يوجب اجتنابهما ، فأعلم الله عز وجل أنه لا جناح في التطوف بهما ، وأن من تطوع بذلك فإن الله شاكر عليم . والشكر من الله: المجازاة والثناء الجميل ، والجمهور قرؤوا (ومن تطوع) بالتاء ونصب العين . منهم: ابن كثير ، ونافع ، ، وعاصم وأبو عمرو ، وقرأ وابن عامر . حمزة ، "يطوع" بالياء وجزم العين . وكذلك خلافهم في التي بعدها بآيات . والكسائي
فصل
اختلفت الرواية عن إمامنا في السعي بين أحمد الصفا والمروة ، فنقل الأثرم أن من لم يجزه حجه . ونقل ترك السعي أبو طالب لا شيء في تركه عمدا أو سهوا ، ولا ينبغي أن يتركه . ونقل الميموني أنه تطوع .
[ ص: 165 ] قوله تعالى: إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى قال عن أبو صالح نزلت في رؤساء اليهود ، كتموا ما أنزل الله في التوراة من البينات والهدى ، فالبينات: الحلال والحرام والحدود والفرائض . والهدى: نعت النبي وصفته ابن عباس: من بعد ما بيناه للناس قال لبني إسرائيل . وفي الكتاب قولان . أحدهما: أنه التوراة ، وهو قول مقاتل: والثاني: التوراة والإنجيل ، قاله ابن عباس . قتادة . (أولئك) إشارة إلى الكلمتين (يلعنهم الله) قال أصل اللعن في اللغة: الطرد ، ولعن الله إبليس ، أي: طرده ، ثم انتقل ذلك فصار قولا . قال ابن قتيبة: الشماخ وذكر ماء:
ذعرت به القطا ونفيت عنه مقام الذئب كالرجل اللعين
أي: الطريد . وفي اللاعنين أربعة أقوال . أحدها: أن المراد بهم: دواب الأرض ، رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو قول البراء مجاهد ، قال وعكرمة . يقولون: إنما منعنا القطر بذنوبكم ، فيلعنونهم . والثاني: أنهم المؤمنون ، قاله مجاهد: والثالث: أنهم الملائكة والمؤمنون ، قاله عبد الله بن مسعود . أبو العالية ، والرابع: أنهم الجن والإنس وكل دابة قاله وقتادة . عطاء .
فصل
وهذه الآية توجب إظهار علوم الدين ، منصوصة كانت أو مستنبطة ، وتدل على امتناع جواز أخذ الأجرة على ذلك ، إذ غير جائز استحقاق الأجر على ما يجب فعله ، وقد روى عن الأعرج أنه قال: إنكم تقولون: أكثر أبي هريرة على النبي صلى الله عليه وسلم ، [ ص: 166 ] والله الموعد ، وايم الله: لولا آية في كتاب الله ما حدثت أحدا بشيء أبدا ، ثم تلا أبو هريرة إن الذين يكتمون ما أنزلنا إلى آخرها .