قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين . وأمرت لأن أكون أول المسلمين . قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم . قل الله أعبد مخلصا له ديني . فاعبدوا ما شئتم من دونه قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين . لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل ذلك يخوف الله به عباده يا عباد فاتقون . والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى فبشر عباد . الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب .
قوله تعالى: قل إني أمرت قال وذلك أن كفار مقاتل: قريش قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ما حملك على الذي أتيتنا به؟! ألا تنظر إلى ملة آبائك [ ص: 169 ] فتأخذ بها؟! فنزلت هذه الآية; والمعنى: قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين أي: أمرت أن أعبده على التوحيد والإخلاص السالم من الشرك، وأمرت لأن أكون أول المسلمين من هذه الأمة .
قل إني أخاف إن عصيت ربي بالرجوع إلى دين آبائي عذاب يوم عظيم وقد اختلفوا في نسخ هذه الآية كما بينا في نظيرتها في [الأنعام: 15] .
قل الله أعبد مخلصا له ديني بالتوحيد، فاعبدوا ما شئتم ، وهذا تهديد، وبعضهم يقول: هو منسوخ بآية السيف، وهذا باطل، لأنه لو كان أمرا، كان منسوخا، فأما أن يكون بمعنى الوعيد، فلا وجه لنسخه .
قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم بأن صاروا إلى النار [و]خسروا أهليهم فيه ثلاثة أقوال .
أحدها: أنهم خسروا الحور العين اللواتي أعددن لهم في الجنة لو أطاعوا قاله الحسن، وقتادة .
والثاني: خسروا الأهل في النار، إذ لا أهل لهم فيها، قاله مجاهد، وابن زيد .
والثالث: خسروا أهليهم الذين كانوا في الدنيا، إذ صاروا إلى النار بكفرهم، وصار أهلوههم إلى الجنة بإيمانهم، قاله الماوردي .
قوله تعالى: لهم من فوقهم ظلل من النار وهي الأطباق من النار . وإنما قال: ومن تحتهم ظلل لأنها ظلل لمن تحتهم ذلك الذي وصف الله من العذاب يخوف الله به عباده المؤمنين .
[ ص: 170 ] قوله تعالى: والذين اجتنبوا الطاغوت روى ابن زيد عن أبيه أن هذه الآية والتي بعدها نزلت في ثلاثة نفر كانوا في الجاهلية يوحدون الله تعالى: زيد بن عمرو بن نفيل، وأبو ذر، رضى الله عنهم; قال: وسلمان الفارسي، أولئك الذين هداهم الله بغير كتاب ولا نبي .
وفي المراد بالطاغوت هاهنا ثلاثة أقوال . أحدها: الشياطين، قاله والثاني: الكهنة، قاله مجاهد . والثالث: الأوثان، قاله ابن السائب . فعلى قول مقاتل، هذا: إنما قال: "يعبدوها" لأنها مؤنثة . وقال مقاتل إنما قال: "يعبدوها" لأن الطاغوت في معنى جماعة، وإن شئت جعلته واحدا مؤنثا . الأخفش:
قوله تعالى: وأنابوا إلى الله أي: رجعوا إليه بالطاعة لهم البشرى بالجنة فبشر عباد بباء، وحرك الياء أبو عمرو .
ثم نعتهم فقال: الذين يستمعون القول وفيه ثلاثة أقوال .
أحدها: [أنه] القرآن، قاله الجمهور . فعلى هذا، في معنى فيتبعون أحسنه أقوال قد شرحناها في [الأعراف: 145] عند قوله: وأمر قومك يأخذوا بأحسنها .
والثاني: أنه جميع الكلام . ثم في المعنى قولان . أحدهما: [أنه الرجل] [ ص: 171 ] يجلس مع القوم فيسمع كلامهم، فيعمل بالمحاسن ويحدث بها، ويكف عن المساوئ ويظهرها، قاله والثاني: [أنه] لما ادعى مسيلمة أنه قد أتى بقرآن، وأتت الكهنة بالكلام المزخرف في الأباطيل، فرق المؤمنون بين ذلك وبين كلام الله، فاتبعوا كلام الله، ورفضوا أباطيل أولئك، قاله ابن السائب . أبو سليمان الدمشقي .