أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج تبصرة وذكرى لكل عبد منيب ونزلنا من السماء ماء مباركا فأنبتنا به جنات وحب الحصيد والنخل باسقات لها طلع نضيد رزقا للعباد وأحيينا به بلدة ميتا كذلك الخروج كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس وثمود وعاد وفرعون وإخوان لوط وأصحاب الأيكة وقوم تبع كل كذب الرسل فحق وعيد أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد .
ثم دلهم على قدرته على البعث بقوله: أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها بغير عمد "وزيناها" بالكواكب وما لها من فروج أي: من صدوع وشقوق . والزوج: الجنس . والبهيج: الحسن، قاله وقال أبو عبيدة . البهيج: الذي يبتهج به . ابن قتيبة:
قوله تعالى: تبصرة وذكرى لكل عبد منيب قال أي: فعلنا ذلك لنبصر وندل على القدرة . والمنيب: الذي يرجع إلى الله ويفكر في قدرته . الزجاج:
قوله تعالى: ونزلنا من السماء ماء وهو المطر "مباركا" أي: كثير [ ص: 8 ] الخير، فيه حياة كل شيء "فأنبتنا به جنات وهي البساتين "وحب الحصيد" أراد: الحب الحصيد، فأضافه إلى نفسه، كقوله: لهو حق اليقين [الواقعة: 95] وقوله: من حبل الوريد [ق: 16] فالحبل هو الوريد، وكما يقال: صلاة الأولى، يراد الصلاة الأولى، ويقال: مسجد الجامع، يراد: المسجد الجامع، وإنما تضاف هذه الأشياء إلى أنفسها لاختلاف لفظ اسمها، وهذا قول الفراء، وقال غيرهما: أراد حب النبت الحصيد . "والنخل" أي: وأنبتنا النخل "باسقات" و"بسوقها": طولها . قال وابن قتيبة . يقال: بسق الشيء يبسق بسوقا: إذا طال، والنضيد: المنضود بعضه فوق بعض، وذلك قبل أن يتفتح، فإذا انشق جف طلعه وتفرق فليس بنضيد . ابن قتيبة:
قوله تعالى: رزقا للعباد أي: أنبتنا هذه الأشياء للرزق "وأحيينا به" أي: بالمطر "بلدة ميتا كذلك الخروج" من القبور .
ثم ذكر الأمم المكذبة بما بعد هذا، وقد سبق بيانه إلى قوله: فحق وعيد أي: وجب عليهم عذابي .
أفعيينا بالخلق الأول هذا جواب لقولهم: ذلك رجع بعيد . والمعنى: أعجزنا عن ابتداء الخلق، وهو الخلق الأول، فنعيا بالبعث وهو الخلق الثاني؟! وهذا تقرير لهم، لأنهم اعترفوا أنه الخالق، وأنكروا البعث بل هم في لبس أي: في شك من خلق جديد وهو البعث .