وفي نزولها قولان .
أحدهما: أنها مكية، رواه ابن أبي طلحة عن وبه قال ابن عباس، الحسن، وعطاء، والجمهور، إلا أن ومقاتل، قال: سوى آية: وهي قوله: ابن عباس يسأله من في السماوات والأرض [الرحمن: 29] .
والثاني: أنها مدنية، رواه عطية عن وبه قال ابن عباس . ابن مسعود .
بسم الله الرحمن الرحيم
الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان الشمس والقمر بحسبان والنجم والشجر يسجدان والسماء رفعها ووضع الميزان ألا تطغوا في الميزان وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان والأرض وضعها للأنام فيها فاكهة والنخل ذات الأكمام والحب ذو العصف والريحان فبأي آلاء ربكما تكذبان
قوله تعالى: الرحمن . علم القرآن قال لما نزل قوله: مقاتل: اسجدوا للرحمن [الفرقان: 60] قال كفار مكة: وما الرحمن؟! فأنكروه وقالوا: لا نعرف الرحمن، فقال تعالى: "الرحمن" الذي أنكروه هو الذي "علم القرآن" . [ ص: 106 ] وفي قوله: علم القرآن قولان . أحدهما: علمه محمدا، وعلم محمد أمته، قاله والثاني: يسر القرآن، قاله ابن السائب . الزجاج .
قوله تعالى: خلق الإنسان فيه ثلاثة أقوال .
أحدها: أنه اسم جنس، فالمعنى: خلق الناس جميعا، قاله الأكثرون . فعلى هذا، في "البيان" ستة أقوال . أحدها: النطق والتمييز، قاله والثاني: الحلال والحرام، قاله الحسن . والثالث: ما يقول وما يقال له، قاله قتادة . والرابع: الخير والشر، قاله محمد بن كعب . والخامس: [طرق] الهدى، قاله الضحاك . والسادس: الكتابة والخط، قاله ابن جريج . يمان .
والثاني: أنه آدم، قاله ابن عباس، فعلى هذا في "البيان" ثلاثة أقوال . أحدها: أسماء كل شيء . والثاني: بيان كل شيء . والثالث اللغات . وقتادة .
والقول الثالث: أنه محمد صلى الله عليه وسلم، علمه بيان ما كان وما يكون، قاله قوله تعالى: ابن كيسان . الشمس والقمر بحسبان أي: بحساب ومنازل، لا يعدوانها; وقد كشفنا هذا المعنى في [الأنعام: 96] . قال أضمر الخبر، وأظنه- والله أعلم- أراد: يجريان بحسبان [ ص: 107 ] قوله تعالى: الأخفش: والنجم والشجر يسجدان في النجم قولان . أحدهما: أنه كل نبت ليس له ساق، وهو مذهب ابن عباس، والسدي، واللغويين . والثاني: أنه نجم السماء، والمراد به: جميع النجوم، قاله ومقاتل، فأما الشجر: فكل ما له ساق . قال مجاهد . سجودهما: أنهما يستقبلان الشمس إذ أشرقت، ثم يميلان معها حتى ينكسر الفيء . وقد أشرت في [النحل: 49] إلى معنى سجود ما لا يعقل . قال الفراء: وإنما ثني فعلهما على لفظهما . أبو عبيدة:
قوله تعالى: والسماء رفعها وإنما فعل ذلك ليحيا الحيوان وتمتد الأنفاس، وأجرى الريح بينها وبين الأرض، كيما يتروح [الخلق] . ولولا ذلك لماتت الخلائق كربا .
قوله تعالى: ووضع الميزان فيه ثلاثة أقوال . أحدها: أنه العدل، قاله الأكثرون، منهم مجاهد واللغويون . قال والسدي وهذا لأن المعادلة: موازنة الأشياء . والثاني: أنه الميزان المعروف، ليتناصف الناس في الحقوق، قاله الزجاج: الحسن، وقتادة، والثالث: أنه القرآن، قاله والضحاك . الحسين بن الفضل .
قوله تعالى: ألا تطغوا ذكر في "أن" وجهين . أحدهما: أنها بمعنى اللام; والمعنى: لئلا تطغوا . والثاني: أنها للتفسير، فتكون "لا" للنهي; والمعنى: أي: لا تطغوا، أي لا تجاوزوا العدل . قوله تعالى: الزجاج ولا تخسروا الميزان قال أي: لا تنقصوا الوزن . ابن قتيبة،
فأما الأنام، ففيهم ثلاثة أقوال . أحدها: أنهم الناس، رواه عن عكرمة والثاني: كل ذي روح، رواه ابن عباس . عن العوفي وبه قال [ ص: 108 ] ابن عباس، مجاهد، والشعبي، وقتادة، والسدي، والثالث: الإنس والجن، قاله والفراء . الحسن، والزجاج .
قوله تعالى: فيها فاكهة أي، ما يتفكه [به] من ألوان الثمار "والنخل ذات الأكمام" والأكمام: الأوعية والغلف; وقد استوفينا شرح هذا في [حم السجدة: 47] .
قوله تعالى: والحب يريد: جميع الحبوب، كالبر والشعير وغير ذلك . وقرأ "والحب" بنصب الباء "ذا العصف" بالألف "والريحان" بنصب النون . وقرأ ابن عامر: حمزة، إلا والكسائي ابن أبي سريج، "والحب ذو العصف والريحان" بخفض النون; وقرأ الباقون بضم النون . وخلف:
وفي "العصف" قولان . أحدهما: أنه تبن الزرع وورقه الذي تعصفه الرياح، قاله وكذلك قال ابن عباس . هو ورق الزرع . قال مجاهد: العصف: ورق الزرع، ثم يصير إذا جف ويبس وديس تبنا . والثاني: أن العصف: المأكول من الحب، حكاه ابن قتيبة: الفراء .
وفي "الريحان" أربعة أقوال .
أحدها: أنه الرزق، رواه عن عكرمة وبه قال ابن عباس، مجاهد، وسعيد بن جبير: قال والسدي . الريحان في كلام الفراء: العرب: الرزق، تقول: خرجنا نطلب ريحان الله، وأنشد الزجاج للنمر بن تولب:
سلام الإله وريحانه ورحمته وسماء درر
[ ص: 109 ] والثاني: أنه خضرة الزرع، رواه عن الوالبي قال ابن عباس . فعلى هذا، سمي ريحانا، لاستراحة النفس بالنظر إليه . أبو سليمان الدمشقي:
والثالث: أنه ريحانكم هذا الذي يشم، روى عن العوفي قال: "الريحان" ما أنبتت الأرض من الريحان، وهذا مذهب ابن عباس والضحاك، الحسن، وابن زيد .
والرابع: أنه ما [لم] يؤكل من الحب، والعصف: المأكول منه، حكاه الفراء .
قوله تعالى: فبأي آلاء ربكما تكذبان فإن قيل: كيف خاطب اثنين، وإنما ذكر الإنسان وحده؟ فعنه جوابان ذكرهما أحدهما: أن الفراء . العرب تخاطب الواحد بفعل الاثنين كما بينا في قوله: ألقيا في جهنم [ق: 24] والثاني: أن الذكر أريد به: الإنسان والجان، فجرى الخطاب لهما من أول السورة إلى آخرها . قال لما ذكر الله تعالى في هذه السورة ما يدل على وحدانيته من خلق الإنسان وتعليم البيان وخلق الشمس والقمر والسماء والأرض، خاطب الجن والإنس، قال: "فبأي آلاء ربكما تكذبان " أي: فبأي نعم ربكما تكذبان من هذه الأشياء المذكورة، لأنها كلها منعم بها عليكم في دلالتها إياكم على وحدانيته وفي رزقه إياكم ما به قوامكم . وقال الزجاج: الآلاء: النعم، واحدها: ألا، مثل: قفا، وإلا، مثل: معى . ابن قتيبة: