[ ص: 178 ] يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم والله غفور رحيم لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شيء من فضل الله وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم
قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله عامة المفسرين على أن هذا الخطاب لليهود والنصارى . والمعنى: يا أيها الذين آمنوا بموسى وعيسى اتقوا الله، وآمنوا برسوله محمد صلى الله عليه وسلم "يؤتكم كفلين" أي: نصيبين، وحظين "من رحمته" قال الكفل: كساء يمنع الراكب أن يسقط، فالمعنى: يؤتكم نصيبين يحفظانكم من هلكة المعاصي . وقد بينا معنى "الكفل" في سورة [النساء: 85] وفي المراد بالكفلين ها هنا قولان . الزجاج:
أحدهما: لإيمانهم بمن تقدم من الأنبياء، والآخر لإيمانهم بمحمد صلى الله عليه وسلم، قاله ابن عباس .
والثاني: أن أحدهما: أجر الدنيا، والثاني: أجر الآخرة، قاله ابن زيد .
قوله تعالى: ويجعل لكم نورا فيه أربعة أقوال . [ ص: 179 ] أحدها: القرآن، رواه عن سعيد بن جبير والثاني: نورا تمشون به على الصراط . رواه ابن عباس . عن أبو صالح والثالث: الهدى، قاله ابن عباس . والرابع: الإيمان، قاله مجاهد . ابن السائب .
قوله تعالى: لئلا يعلم "لا" زائدة . قاله الفراء: والعرب تجعل "لا" صلة في كل كلام دخل في آخره أو أوله جحد . فهذا مما جعل في آخره جحد . والمعنى: ليعلم أهل الكتاب الذين لم يؤمنوا بمحمد ألا يقدرون أي: أنهم لا يقدرون "على شيء من فضل الله" والمعنى: أنه جعل الأجرين لمن آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم ليعلم من لم يؤمن به أنه لا أجر لهم ولا نصيب في فضل الله وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء فآتاه المؤمنين . هذا تلخيص قول الجمهور في هاتين الآيتين وقد ذهب قوم إلى أنه لما نزل في مسلمة أهل الكتاب الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون إلى قوله تعالى: أولئك يؤتون أجرهم مرتين [القصص: 52 -54] افتخروا على المسلمين بزيادة الأجر، فشق ذلك على المسلمين، فنزلت هاتان الآيتان، وهذا المعنى في رواية أبي صالح عن وبه قال ابن عباس، فعلى هذا يكون الخطاب للمسلمين، ويكون المعنى: يؤتكم أجرين ليعلم مؤمنو أهل الكتاب أنهم لا يقدرون على شيء من فضل الله الذي خصكم، فإنه فضلكم على جميع الخلائق . وقال مقاتل . لما نزل قوله تعالى: قتادة: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله . . . الآية . حسد أهل الكتاب المسلمين عليها، فأنزل الله تعالى: لئلا يعلم أهل الكتاب الآية .