ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه ويتناجون بالإثم والعدوان ومعصيت الرسول وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول حسبهم جهنم يصلونها فبئس المصير يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصيت الرسول وتناجوا بالبر والتقوى واتقوا الله الذي إليه تحشرون إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون
قوله تعالى: ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى في سبب نزولها قولان .
أحدهما: نزلت في اليهود والمنافقين، وذلك أنهم كانوا يتناجون فيما بينهم دون المؤمنين، وينظرون إلى المؤمنين، ويتغامزون بأعينهم، فإذا رأى المؤمنون نجواهم قالوا: ما نراهم إلا قد بلغهم عن أقربائنا وإخواننا الذين خرجوا في السرايا، قتل أو موت، أو مصيبة، فيقع ذلك في قلوبهم، ويحزنهم، فلا يزالون كذلك حتى تقدم أصحابهم . فلما طال ذلك وكثر، شكا المؤمنون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرهم أن لا يتناجوا دون المسلمين، فلم ينتهوا عن ذلك، فنزلت هذه الآية، قاله ابن عباس .
والثاني: نزلت في اليهود، قاله قال مجاهد . مقاتل: وكان بين اليهود وبين رسول الله موادعة، فإذا رأوا رجلا من المسلمين وحده تناجوا بينهم، فيظن [ ص: 189 ] المسلم أنهم يتناجون بقتله، أو بما يكره، فيترك الطريق من المخافة، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنهاهم عن النجوى، فلم ينتهوا، وعادوا إليها، فنزلت هذه الآية . وقال نزلت في المنافقين . والنجوى: بمعنى المناجاة "ثم يعودون" إلى المناجاة التي نهوا عنها "ويتناجون" قرأ ابن السائب: ويعقوب إلا حمزة، زيدا، وروحا "ويتنجون" وقرأ الباقون "ويتناجون" بألف . وفي معنى تناجيهم "بالإثم والعدوان" وجهان .
أحدهما: يتناجون بما يسوء المسلمين، فذلك الإثم والعدوان، ويوصي بعضهم بعضا بمعصية الرسول .
والثاني: يتناجون بعد نهي الرسول، ذلك هو الإثم والعدوان ومعصية الرسول .
قوله تعالى: وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله اختلفوا فيمن نزلت على قولين .
أحدهما: نزلت في اليهود . قالت رضي الله عنها: عائشة أبا القاسم، فقلت: السام عليكم، وفعل الله بكم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مه يا فإن الله لا يحب الفحش، ولا التفحش، فقلت: يا رسول الله: ترى ما يقولون؟ فقال: ألست تريني أرد عليهم ما يقولون . وأقول: وعليكم، قالت: فنزلت هذه الآية في ذلك . عائشة، قال جاء ناس من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: السام عليك يا والسام: الموت . الزجاج:
[ ص: 190 ] والثاني: أنها نزلت في المنافقين، رواه عطية عن ابن عباس .
قال المفسرون: ومعنى "حيوك" سلموا عليك بغير سلام الله عليك، وكانوا يقولون: سام عليك . فإذا خرجوا يقولون في أنفسهم، أو يقول بعضهم لبعض: لو كان نبيا عذبنا بقولنا له ما نقول .
قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فيها قولان .
أحدهما: نزلت في المنافقين، فالمعنى: يا أيها الذين آمنوا بزعمهم، وهذا قول عطاء ومقاتل .
والثاني: أنها في المؤمنين، والمعنى: أنه نهاهم عن فعل المنافقين واليهود، وهذا مذهب جماعة، منهم الزجاج .
قوله تعالى: تتناجوا هكذا قرأ الجماعة بألف . وقرأ يعقوب وحده "فلا تتنجوا" . فأما "البر" فقال هو الطاعة، "والتقوى" ترك المعصية . وقال مقاتل: "البر" الصدق، و"التقوى" ترك الكذب . ثم ذكر أن ما يفعله اليهود والمنافقون، من الشيطان ، فقال تعالى: أبو سليمان الدمشقي" إنما النجوى من الشيطان أي: من تزيينه، والمعنى: إنما يزين لهم ذلك ليحزن الذين آمنوا وقد بينا اتقاء ما كان يحزن المؤمنين من هذه النجوى وليس بضارهم شيئا أي: وليس الشيطان بضار المؤمنين شيئا إلا بإذن الله أي: بإرادته وعلى الله فليتوكل المؤمنون أي: فليكلوا أمورهم إليه .