إن الذين يحادون الله ورسوله أولئك في الأذلين كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون
قوله تعالى: كتب الله أي: قضى الله لأغلبن أنا ورسلي وفتح الياء نافع، [ ص: 198 ] قال المفسرون: من بعث من الرسل بالحرب، فعاقبة الأمر له، ومن لم يبعث بالحرب، فهو غالب بالحجة وابن عامر . إن الله قوي عزيز أي: مانع حزبه من أن يذل .
قوله تعالى: لا تجد قوما . . . الآية . اختلفوا فيمن نزلت على أربعة أقوال .
أحدها: نزلت في قتل أباه يوم أبي عبيدة بن الجراح، أحد، وفي أبي بكر دعا ابنه يوم بدر إلى البراز، فقال: يا رسول الله دعني أكون في الرعلة الأولى، فقال: متعنا بنفسك يا أبا بكر، وفي قتل أخاه مصعب بن عمير، عبيد بن حمنة يوم أحد، وفي عمرو قتل خاله العاص بن هشام يوم بدر . وفي علي قتلا وحمزة عتبة وشيبة يوم بدر، قاله ابن مسعود .
والثاني: أنها نزلت في وذلك أبي بكر الصديق، أن أبا قحافة سب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصكه صكة شديدة سقط منها، ثم ذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أو فعلته"؟ قال: نعم . قال: فلا تعد إليه، فقال أبو بكر الصديق أبو بكر: والله لو كان السيف قريبا مني لقتلته، فنزلت هذه الآية، قاله [ ص: 199 ] والثالث: نزلت في ابن جريج . عبد الله بن عبد الله بن أبي، وذلك أنه كان جالسا إلى جنب رسول الله، فشرب رسول الله ماء، فقال يا رسول الله أبق فضلة من شرابك، قال وما تصنع بها؟ قال: أسقيها أبي، لعل الله سبحانه يطهر قلبه، ففعل، فأتى بها أباه، فقال: ما هذا؟ قال: فضلة من شراب رسول الله جئتك بها لتشربها، لعل الله يطهر قلبك، فقال: هلا جئتني ببول أمك! فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله: ائذن لي في قتل أبي، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ارفق به، وأحسن إليه، فنزلت هذه الآية، عبد الله: قاله السدي .
والرابع: أنها نزلت في حين كتب إلى أهل حاطب بن أبي بلتعة مكة يخبرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عزم على قصدهم، قاله واختاره مقاتل، الفراء، والزجاج .
وهذه الآية قد بينت أن مودة الكفار تقدح في صحة الإيمان، وأن من كان مؤمنا لم يوال كافرا وإن كان أباه أو ابنه أو أحدا من عشيرته .
قوله تعالى: أولئك الذين، يعني: الذين لا يوادون من حاد الله ورسوله كتب في قلوبهم الإيمان وقرأ عن المفضل "كتب" برفع الكاف والنون من "الإيمان" . وفي معنى "كتب" خمسة أقوال . عاصم
أحدها: أثبت في قلوبهم الإيمان، قاله الربيع بن أنس .
والثاني: جعل، قاله مقاتل .
والثالث: كتب في اللوح المحفوظ أن في قلوبهم الإيمان، حكاه والرابع: حكم لهم بالإيمان . وإنما ذكر القلوب، لأنها موضع الإيمان، ذكره الماوردي . [ ص: 200 ] والخامس: جمع في قلوبهم الإيمان حتى استكملوه، قاله الثعلبي . الواحدي .
قوله تعالى: وأيدهم أي: قواهم بروح منه وفي المراد بالروح ها هنا خمسة أقوال .
أحدها: أنه النصر، قاله ابن عباس، فعلى هذا سمي النصر روحا، لأن أمرهم يحيا به . والثاني: الإيمان، قاله والحسن . والثالث: القرآن، قاله السدي . والرابع: الرحمة، قاله الربيع . والخامس: مقاتل . جبريل عليه السلام أيدهم به يوم بدر، ذكره فأما الماوردي . حزب الله فقال هم الداخلون في الجمع الذين اصطفاهم وارتضاهم، و"ألا" كلمة تنبيه وتوكيد للقصة . الزجاج: