[ ص: 184 ] يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون    . 
قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام   . 
الصيام في اللغة:  الإمساك في الجملة ، يقال: صامت الخيل: إذا أمسكت عن السير ، وصامت الريح: إذا أمسكت عن الهبوب . والصوم في الشرع: عبارة عن الإمساك عن الطعام والشراب والجماع مع انضمام النية إليه . وفي الذين من قبلنا ثلاثة أقوال . أحدها: أنهم أهل الكتاب ، رواه  عطاء الخراساني  عن  ابن عباس ،  وهو قول  مجاهد .  والثاني: أنهم النصارى ، قاله  الشعبي ،  والربيع .  والثالث: أنهم جميع أهل الملل ، ذكره  أبو صالح  عن  ابن عباس .  
وفي موضع التشبيه في كاف  (كما كتب)  قولان . أحدهما: أن التشبيه في حكم الصوم وصفته ، لا في عدده . قال  سعيد بن جبير   : كتب عليهم إذا نام أحدهم قبل أن يطعم لم يحل له أن يطعم إلى القابلة ، والنساء عليهم حرام ليلة الصيام ، وهو عليهم ثابت . وقد أرخص لكم . فعلى هذا تكون هذه الآية منسوخة بقوله: أحل لكم ليلة الصيام الرفث   [ البقرة: 187 ] . فإنها فرقت بين صوم أهل الكتاب وبين صوم المسلمين . والثاني: أن التشبيه في عدد الأيام . ثم في ذلك قولان . أحدهما: أنه فرض على هذه الأمة صوم ثلاثة أيام من كل شهر ، وقد كان ذلك فرضا على من قبلهم . قال عطية  عن  ابن عباس  في قوله تعالى: كما كتب على الذين من قبلكم  قال: كان ثلاثة أيام من كل شهر ، ثم نسخ برمضان . قال  معمر  عن  قتادة:  كان الله قد كتب على الناس قبل رمضان ثلاثة أيام من كل شهر ، فعلى هذا القول تكون الآية منسوخة بقوله تعالى: شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن   . والثاني: أنه فرض على من قبلنا صوم رمضان بعينه . قال  ابن عباس:  فقدم النصارى يوما ثم يوما ، وأخروا يوما ، ثم قالوا: نقدم عشرا ونؤخر عشرا . وقال  السدي  عن أشياخه: اشتد على النصارى صوم رمضان ، فجعل يتقلب عليهم في الشتاء والصيف ، فلما رأوا ذلك اجتمعوا [ ص: 185 ] فجعلوا صياما في الفصل بين الشتاء والصيف ، وقالوا: نزيد عشرين يوما نكفر بها ما صنعنا . فعلى هذا تكون الآية محكمة غير منسوخة . 
قوله تعالى: لعلكم تتقون  لأن الصيام وصلة إلى التقى ، إذ هو يكف النفس عن كثير مما تتطلع إليه من المعاصي ، وقيل: لعلكم تتقون محظورات الصوم . 
				
						
						
