هل أتاك حديث موسى إذ ناداه ربه بالواد المقدس طوى اذهب إلى فرعون إنه طغى فقل هل لك إلى أن تزكى وأهديك إلى ربك فتخشى فأراه الآية الكبرى فكذب وعصى ثم أدبر يسعى فحشر فنادى فقال أنا ربكم الأعلى فأخذه الله نكال الآخرة والأولى إن في ذلك لعبرة لمن يخشى أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها رفع سمكها فسواها وأغطش ليلها وأخرج ضحاها والأرض بعد ذلك دحاها أخرج منها ماءها ومرعاها والجبال أرساها متاعا لكم ولأنعامكم .
قوله تعالى: هل أتاك حديث موسى أي: قد جاءك . وقد بينا هذا في [طه: 9] وما بعده إلى قوله تعالى: طوى اذهب قرأ ابن كثير، ونافع، : " طوى اذهب " غير مجراة . وقرأ الباقون " طوى " منونة وأبو عمرو فقل هل لك إلى أن تزكى وقرأ ابن كثير، " تزكى " بتشديد الزاي، أي: تطهر من الشرك ونافع: وأهديك إلى ربك أي: أدعوك إلى توحيده، وعبادته فتخشى عذابه فأراه الآية الكبرى وفيها قولان .
[ ص: 21 ] أحدهما: أنها اليد والعصا، قاله جمهور المفسرين . والثاني: أنها اليد، قاله الزجاج .
قوله تعالى: فكذب أي بأنها من الله، وعصى نبيه ثم أدبر أي: أعرض عن الإيمان يسعى أي: يعمل بالفساد في الأرض فحشر أي: فجمع قومه وجنوده فنادى لما اجتمعوا فقال أنا ربكم الأعلى أي: لا رب فوقي . وقيل: أراد أن الأصنام أرباب، وأنا ربها وربكم . وقيل: أراد: أنا رب السادة والقادة .
قوله تعالى: فأخذه الله نكال الآخرة والأولى فيه أربعة أقوال .
أحدها: أن الأولى قوله: " ما علمت لكم من إله غيري " [القصص: 38] والآخرة قوله: " أنا ربكم الأعلى " ، قاله ابن عباس، وعكرمة، والشعبي، ومقاتل، ورواه والفراء . عن ابن أبي نجيح قال مجاهد . وكان بينهما أربعون سنة . قال ابن عباس: فبقي بعد الآخرة ثلاثين سنة . قال السدي: فالمعنى: أخذه الله أخذا نكالا للآخرة والأولى . الفراء:
والثاني: المعنى: جعله الله نكال الدنيا والآخرة، أغرقه في الدنيا، وعذبه في الآخرة، قاله الحسن، وقال وقتادة . عذبه الله في أول النهار بالغرق، وفي آخره بالنار . الربيع بن أنس:
والثالث: أن الأولى: تكذيبه وعصيانه . والآخرة قوله: " أنا ربكم الأعلى " ، قاله أبو رزين .
والرابع: أنها أول أعماله وآخرها، رواه منصور عن قال مجاهد . النكال: منصوب مصدر مؤكد، لأن معنى أخذه الله: نكل الله به نكال الآخرة [ ص: 22 ] والأولى: فأغرقه في الدنيا ويعذبه في الآخرة . الزجاج:
قوله تعالى: إن في ذلك الذي فعل بفرعون لعبرة أي: لعظة لمن يخشى الله .
ثم خاطب منكري البعث، فقال تعالى: أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها قال ذهب بعض النحويين إلى أن قوله تعالى: الزجاج: بناها من صفة السماء، فيكون المعنى: أم السماء التي بناها . وقال قوم: السماء ليس مما توصل، ولكن المعنى: أأنتم أشد خلقا، أم السماء أشد خلقا . ثم بين كيف خلقها، فقال تعالى: بناها قال المفسرون: أخلقكم بعد الموت أشد عندكم، أم السماء في تقديركم؟ وهما في قدرة الله واحد . ومعنى: " بناها " رفعها . وكل شيء ارتفع فوق شيء فهو بناء . ومعنى: رفع سمكها رفع ارتفاعها وعلوها في الهواء فسواها بلا شقوق، ولا فطور، ولا تفاوت، يرتفع فيه بعضها على بعض وأغطش ليلها أي: أظلمه فجعله مظلما . قال يقال: غطش الليل وأغطش، وغبش وأغبش، وغسق وأغسق، وغشي وأغشى، كله بمعنى أظلم . الزجاج:
قوله تعالى: وأخرج ضحاها أي: أبرز نهارها . والمعنى: أظهر نورها بالشمس . وإنما أضاف النور والظلمة إلى السماء لأنهما عنها يصدران والأرض بعد ذلك أي: بعد خلق السماء دحاها أي: بسطها . وبعض من يقول: إن الأرض خلقت قبل السماء يزعم أن " بعد " هاهنا بمعنى " قبل " كقوله [ ص: 23 ] تعالى: ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر [الأنبياء: 105] . وبعضهم يقول: هي بمعنى " مع " كقوله تعالى: عتل بعد ذلك زنيم [القلم: 13]، ولا يمتنع أن تكون الأرض خلقت قبل السماء، ثم دحيت بعد كمال السماء، وهذا مذهب وقد أشرنا إلى هذا الخلاف في [البقرة: 29] . ونصبت الأرض بمضمر تفسيره قوله تعالى: عبد الله بن عمرو بن العاص . دحاها .
أخرج منها ماءها أي: فجر العيون منها ومرعاها وهو ما يأكله الناس والأنعام والجبال أرساها قال أي: أثبتها الزجاج: متاعا لكم أي: للإمتاع، لأن معنى أخرج منها ماءها ومرعاها: أمتع بذلك . وقال " متاعا لكم " أي: منفعة [لكم] . ابن قتيبة: