فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن كلا بل لا تكرمون اليتيم ولا تحاضون على طعام المسكين وتأكلون التراث أكلا لما وتحبون المال حبا جما كلا إذا دكت الأرض دكا دكا وجاء ربك والملك صفا صفا وجيء يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى يقول يا ليتني قدمت لحياتي فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي .
قوله تعالى: فأما الإنسان فيمن عنى به أربعة أقوال .
أحدها: عتبة بن ربيعة، وأبو حذيفة بن المغيرة، رواه عن عطاء ابن عباس .
والثاني: أبي بن خلف، قاله ابن السائب .
والثالث: أمية بن خلف، قاله مقاتل .
[ ص: 119 ] والرابع: أنه الكافر الذي لا يؤمن بالبعث، قال وابتلاه بمعنى اختبره بالغنى واليسر الزجاج: فأكرمه بالمال ونعمه بما وسع عليه من الإفضال فيقول ربي أكرمن فتح ياء " ربي " " أكرمني " " ربي " " أهانني " أهل الحجاز، ، أي: فضلني بما أعطاني، ويظن أن ما أعطاه من الدنيا لكرامته عليه وأبو عمرو وأما إذا ما ابتلاه بالفقر فقدر عليه رزقه وقرأ أبو جعفر، " فقدر " بتشديد الدال، والمعنى: ضيق عليه بأن جعله على مقدار البلغة وابن عامر: فيقول ربي أهانن أي: هذا الهوان منه لي حين أذلني بالفقر .
واعلم أن من لا يؤمن بالبعث، فالكرامة عنده زيادة الدنيا، والهوان قلتها .
[ ص: 120 ] قوله تعالى: كلا أي: ليس الأمر كما يظن . قال ما أعطيت [من أغنيت] هذا الغنى لكرامته علي، ولا أفقرت [من] أفقرت لهوانه علي، وقال مقاتل: المعنى: لم يكن ينبغي له أن يكون هكذا، إنما ينبغي أن يحمد الله على الأمرين: الفقر، والغنى . ثم أخبر عن الكفار فقال تعالى: الفراء: بل لا تكرمون اليتيم قرأ أهل البصرة " يكرمون " و " يحضون " و " يأكلون " و يحبون " بالياء فيهن، والباقون بالتاء . ومعنى الآية: إني أهنت من أهنت من أجل أنه لا يكرم اليتيم . والآية تحتمل معنيين .
أحدهما: أنهم كانوا لا يبرونه .
والثاني: لا يعطونه حقه من الميراث، وكذلك كانت عادة الجاهلية لا يورثون النساء ولا الصبيان . ويدل على المعنى الأول قوله تعالى: ولا تحاضون على طعام المسكين قرأ وأهل أبو جعفر، الكوفة " تحاضون " بألف مع فتح التاء . وروى الشيرزي عن كذلك إلا أنه ضم التاء . والمعنى: لا يأمرون بإطعامه لأنهم لا يرجون ثواب الآخرة . ويدل على المعنى الثاني قوله تعالى: الكسائي وتأكلون التراث أكلا لما قال التراث: الميراث، والتاء فيه منقلبة عن واو، [ ص: 121 ] كما قالوا: تجاه، والأصل: وجاه، وقالوا: تخمة، والأصل: وخمة . ابن قتيبة:
و لما أي: شديدا، وهو من قولك: لممت بالشيء: إذا جمعته، وقال هو ميراث اليتامى . الزجاج:
قوله تعالى: وتحبون المال أي: تحبون جمعه حبا جما أي: كثيرا فلا تنفقونه في خير كلا أي: ما هكذا ينبغي أن يكون [الأمر] . ثم أخبر عن تلهفهم على ما سلف منهم حين لا ينفعهم، فقال تعالى: إذا دكت الأرض دكا دكا أي: مرة بعد مرة، فتكسر كل شيء عليها، وجاء ربك قد ذكرنا هذا المعنى في قوله تعالى: هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله [البقرة: 210] .
قوله تعالى: والملك صفا صفا أي: تأتي [ملائكة] كل سماء صفا [صفا] على حدة . قال يكونون سبعة صفوف، الضحاك: وجيء يومئذ بجهنم روى في أفراده من حديث مسلم قال: قال رسول الله [ ص: 122 ] صلى الله عليه وسلم: " ابن مسعود " . قال يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام، مع [كل زمام] سبعون ألف ملك يجرونها يجاء بها فتقام عن يسار العرش . مقاتل:
قوله تعالى: يومئذ أي: يوم يجاء بجهنم يتذكر الإنسان أي: يتعظ الكافر ويتوب . قال هو مقاتل: أمية بن خلف وأنى له الذكرى أي: كيف له بالتوبة وهي في القيامة لا تنفع يقول يا ليتني قدمت العمل الصالح في الدنيا لحياتي في الآخرة التي لا موت فيها فيومئذ لا يعذب عذابه أحد قرأ الكسائي، ويعقوب، والمفضل: " لا يعذب " بفتح الذال، والباقون بكسرها، فمن فتح، أراد: لا يعذب عذاب الكافر أحد، ومن كسر أراد: لا يعذب عذاب الله أحد، أي كعذابه، وهذه القراءة تختص بالدنيا، والأولى تختص بالآخرة .
[ ص: 123 ] قوله تعالى: يا أيتها النفس المطمئنة اختلفوا فيمن نزلت على خمسة أقوال .
أحدها: في لما استشهد يوم حمزة بن عبد المطلب أحد، قاله أبو هريرة، وبريدة الأسلمي .
والثاني: في حين أوقف عثمان بن عفان بئر رومة، قاله الضحاك .
والثالث: في لما صلبه أهل خبيب بن عدي مكة، قاله مقاتل .
والرابع: في رضي الله عنه، حكاه أبي بكر الصديق الماوردي .
والخامس: [في] جميع المؤمنين، قاله عكرمة .
وفي معنى " المطمئنة " ثلاثة أقوال .
أحدها: المؤمنة، قاله وقال ابن عباس . المطمئنة بالإيمان . الزجاج:
والثاني: الراضية بقضاء الله، قاله مجاهد .
والثالث: الموقنة بما وعد الله، قاله قتادة .
واختلفوا في أي حين يقال لها ذلك على قولين .
أحدهما: عند خروجها من الدنيا، قاله الأكثرون .
والثاني: عند البعث يقال لها: ارجعي إلى صاحبك، وإلى جسدك، فيأمر الله الأرواح أن تعود إلى الأجساد، رواه عن العوفي وبه قال ابن عباس، عطاء، وعكرمة، والضحاك .
[ ص: 124 ] وفي قوله تعالى: ارجعي إلى ربك راضية أربعة أقوال .
أحدها: ارجعي إلى صاحبك الذي كنت في جسده، وهذا المعنى في رواية عن العوفي وبه قال ابن عباس، عكرمة، والضحاك .
والثاني: ارجعي إلى ربك بعد الموت في الدنيا، قاله أبو صالح .
والثالث: ارجعي إلى ثواب ربك، قاله . الحسن
والرابع: يا أيتها النفس المطمئنة [إلى الدنيا] ارجعي إلى الله تعالى بتركها، حكاه الماوردي .
قوله تعالى: فادخلي في عبادي أي: في جملة عبادي المصطفين . قال يقال لها عند الموت: ارجعي إلى ربك، فإذا كان يوم القيامة قيل لها: أبو صالح: فادخلي في عبادي وقال ادخلي مع عبادي . وقرأ الفراء: سعد بن أبي وقاص، وأبي بن كعب، وابن عباس، ومجاهد، والضحاك، وأبو العالية، وأبو عمران: " في عبدي " على التوحيد . قال فعلى هذه القراءة -والله أعلم- [ ص: 125 ] يكون المعنى: ارجعي إلى ربك، أي: إلى صاحبك الذي خرجت منه، فادخلي فيه . الزجاج: