وهي مكية كلها بإجماعهم
بسم الله الرحمن الرحيم
إذا السماء انشقت وأذنت لربها وحقت وإذا الأرض مدت وألقت ما فيها وتخلت وأذنت لربها وحقت يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا وينقلب إلى أهله مسرورا وأما من أوتي كتابه وراء ظهره فسوف يدعو ثبورا ويصلى سعيرا إنه كان في أهله مسرورا إنه ظن أن لن يحور .
قوله تعالى: إذا السماء انشقت قال المفسرون: انشقاقها من علامات الساعة . وقد ذكر ذلك في مواضع من القرآن . [الفرقان: 225، الرحمن: 37، الحاقة: 16] وأذنت لربها أي: استمعت وأطاعت في الانشقاق، من الأذن، وهو الاستماع للشيء والإصغاء إليه، وأنشدوا:
صم إذا سمعوا خيرا ذكرت به فإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا
[ ص: 63 ] وحقت أي: حق لها أن تطيع ربها الذي خلقها وإذا الأرض مدت قال تمد مد الأديم، ويزاد في سعتها . وقال ابن عباس: لا يبقى جبل ولا بناء إلا دخل فيها . مقاتل:
قوله تعالى: وألقت ما فيها من الموتى والكنوز وتخلت أي: خلت من ذلك، فلم يبق في باطنها شيء . واختلفوا في جواب هذه الأشياء المذكورات على أربعة أقوال .
أحدها: أنه متروك، لأن المعنى معروف قد تردد في القرآن .
والثاني: أنه يا أيها الإنسان ، كقول القائل: إذا كان كذا وكذا فيا أيها الناس ترون ما عملتم، فيجعل: يا أيها الإنسان هو الجواب، وتضمر فيه الفاء، كأن المعنى: يرى الثواب والعقاب إذا السماء انشقت، وذكر القولين الفراء .
والثالث: أن في الكلام تقديما وتأخيرا، تقديره: " يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه إذا السماء انشقت " قاله المبرد .
والرابع: أن الجواب مدلول عليه بقوله تعالى: " فملاقيه " . فالمعنى: إذا كان يوم القيامة لقي الإنسان عمله، قاله الزجاج .
قوله تعالى: إنك كادح إلى ربك كدحا فيه قولان .
أحدهما: إنك عامل لربك عملا، قاله ابن عباس .
والثاني: ساع إلى ربك سعيا، قاله قال مقاتل . و " الكدح " في اللغة: السعي، والدأب في العمل في باب الدنيا والآخرة . قال الزجاج: تميم بن مقبل:
وما الدهر إلا تارتان فمنهما أموت وأخرى أبتغي العيش أكدح
[ ص: 64 ] وفي قوله تعالى: إلى ربك قولان .
أحدهما: عامل لربك . وقد ذكرناه عن ابن عباس .
والثاني: إلى لقاء ربك، قاله وفي قوله تعالى: ابن قتيبة . فملاقيه قولان .
أحدهما: فملاق عملك . والثاني: فملاق ربك، كما ذكرهما الزجاج .
قوله تعالى: فسوف يحاسب حسابا يسيرا وهو أن تعرض عليه سيئاته، ثم يغفرها الله له . وفي " الصحيحين " من حديث قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عائشة، قوله تعالى: من نوقش الحساب هلك، فقلت: يا رسول الله، فإن الله يقول: " فسوف يحاسب حسابا يسيرا " ؟! قال: ذلك العرض . وينقلب إلى أهله يعني: في الجنة من الحور العين والآدميات مسرورا بما أوتي من الكرامة وأما من أوتي كتابه وراء ظهره قال المفسرون: تغل يده اليمنى إلى عنقه، وتجعل يده اليسرى وراء ظهره فسوف يدعو ثبورا قال يقول: يا ويلاه، يا ثبوراه، وهذا يقوله كل من وقع في هلكة . الزجاج:
قوله تعالى: ويصلى سعيرا قرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر، " ويصلى " بضم الياء، وتشديد اللام . وقرأ والكسائي: عاصم، ، وأبو عمرو " ويصلى " بفتح الياء خفيفة، إلا أن وحمزة: حمزة يميلانها . وقد شرحناه في سورة [النساء: 11] . والكسائي
[ ص: 65 ] قوله تعالى: إنه كان في أهله يعني في الدنيا مسرورا باتباع هواه، وركوب شهواته إنه ظن أن لن يحور أي: لن يرجع إلى الآخرة، ولن يبعث وهذه صفة الكافر . قال اللغويون: الحور في اللغة: الرجوع، وأنشدوا للبيد:
وما المرء إلا كالشهاب وضوئه يحور رمادا بعد إذ هو ساطع