الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون [ ص: 263 ] قوله تعالى: الطلاق مرتان سبب نزولها ، أن الرجل كان يطلق امرأته ، ثم يراجعها ليس لذلك شيء ينتهي إليه ، فقال رجل من الأنصار لامرأته: والله لا أؤويك إلي أبدا ولا أدعك تحلين مني . فقالت كيف ذلك؟ قال أطلقك ، فإذا دنا أجلك ، راجعتك ، فذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تشكو إليه ذلك ، فنزلت هذه الآية ، فاستقبلها الناس [جديدا ] من كان طلق ، ومن لم يكن طلق . رواه عن أبيه . هشام بن عروة
فأما التفسير ففي قوله تعالى: الطلاق مرتان قولان . أحدهما: أنه بيان لسنة الطلاق ، وأن يوقع في كل قرء طلقة ، قاله ابن عباس ، والثاني: أنه بيان للطلاق الذي يملك معه الرجعة ، قاله ومجاهد . عروة ، وقتادة ، وابن قتيبة ، في آخرين . والزجاج
قوله تعالى: فإمساك بمعروف معناه: فالواجب عليكم إمساك بمعروف ، وهو ما يعرف من إقامة الحق في إمساك المرأة . وقال عطاء ، ومجاهد ، والضحاك ، المراد بقوله تعالى: والسدي: (فإمساك بمعروف): الرجعة بعد الثانية . وفي قوله تعالى: أو تسريح بإحسان قولان . أحدهما: أن المراد به الطلقة الثالثة ، قاله عطاء ، ومجاهد ، والثاني: أنه الإمساك عن رجعتها حتى تنقضي عدتها ، قاله ومقاتل . الضحاك ، قال والسدي . القاضي أبو يعلى محمد بن الحسين بن الفراء: وهذا هو الصحيح ، أنه قال عقيب الآية: فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره والمراد بهذه الطلقة: الثالثة بلا شك ، فيجب إذن أن يحمل قوله تعالى: (أو تسريح بإحسان) على تركها حتى تنقضي عدتها ، لأنه إن حمل على الثالثة ، وجب أن يحمل قوله تعالى: (فإن طلقها) على رابعة ، وهذا لا يجوز .
[ ص: 264 ] فصل
الطلاق على أربعة أضرب:
واجب ، ومندوب إليه ، ومحظور ، ومكروه . فالواجب: طلاق المؤلي بعد التربص ، إذا لم يفئ ، ، إذا رأيا الفرقة . والمندوب: إذا لم يتفقا ، واشتد الشقاق بينهما ، ليتخلصا من الإثم . والمحظور: في الحيض ، إذا كانت مدخولا بها ، وفي طهر جامعها فيه قبل أن تطهر . والمكروه: إذا كانت حالهما مستقيمة ، وكل واحد منهما قيم بحق صاحبه . وطلاق الحكمين في شقاق الزوجين
قوله تعالى: ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا نزلت في أتت زوجته إلى النبي ، صلى الله عليه وسلم ، فقالت: والله ما أعيب على ثابت بن قيس بن شماس ، ثابت في دين ولا خلق ، ولكني [أكره الكفر في الإسلام ] لا أطيقه بغضا . فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: "أتردين عليه حديقته؟" قالت: نعم . فأمره النبي صلى الله عليه وسلم ، أن يأخذها ، ولا يزداد . رواه عن عكرمة واختلفوا في اسم زوجته ، فقال ابن عباس ابن عباس: جميلة . ونسبها يحيى ابن أبي كثير ، فقال: جميلة بنت عبد الله بن أبي بن سلول ، وكناها فقال: مقاتل ، أم حبيبة بنت عبد الله بن أبي . وقال آخرون . إنما هي جميلة أخت عبد الله بن أبي . وروى يحيى بن سعيد عن عمرة روايتين . إحداهما: أنها حبيبة بنت سهل . والثانية: سهلة بنت حبيب .
[ ص: 265 ] وهذا الخلع . والخوف في الآية بمعنى: العلم: قال أول خلع كان في الإسلام أبو عبيد: معنى قوله: (ألا يخافا) : يوقنا . والحدود قد سبق بيان معناها .
ومعنى الآية: أن المرأة إذا خافت أن تعصي الله في أمر زوجها لبغضها إياه ، وخاف الزوج أن يعتدي عليها لامتناعها عن طاعته; جاز له أن يأخذ منها الفدية ، إذا طلبت ذلك . هذا على قراءة الجمهور في فتح "ياء" (يخافا) وقرأ الحسن ، ومجاهد ، وأبو جعفر ، وحمزة (يخافا) بضم الياء . ، والأعمش:
قوله تعالى: (فإن خفتم) قال هو خطاب للولاة قتادة: فلا جناح عليهما على المرأة (فيما افتدت به) وعلى الزوج فيما أخذ ، لأنه ثمن حقه . وقال يجوز أن يراد الزوج وحده ، وإن كانا قد ذكرا جميعا ، كقوله تعالى: الفراء: يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان [ الرحمن: 22 ] . وإنما يخرج من أحدهما . وقوله: نسيا حوتهما [ الكهف: 61 ] وإنما نسي أحدهما .
فصل
وهل يجوز له أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها؟ فيه قولان . أحدهما: يجوز ، وبه قال عمر بن الخطاب ، وعثمان ، وعلي ، وابن عباس ، والحسن ، ومجاهد ، والنخعي ، والضحاك ، ومالك ، والثاني: لا يجوز ، وبه قال والشافعي . سعيد بن المسيب ، وعطاء ، والشعبي ، وطاووس ، وابن جبير ، والزهري ، وقد نقل عن وأحمد بن حنبل ، علي ، أيضا . والحسن قال وهل يجوز الخلع دون السلطان؟ عمر ، وعثمان ، وعلي ، وابن عمر ، وطاووس ، وشريح ، يجوز ، وهو قول جمهور العلماء . وقال والزهري: الحسن ، وابن سيرين ، لا يجوز إلا عند السلطان . وقتادة: