فلما فصل طالوت بالجنود قال إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني إلا من اغترف غرفة بيده فشربوا منه إلا قليلا منهم فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده قال الذين يظنون أنهم ملاقو الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين .
قوله تعالى: فلما فصل طالوت بالجنود أي: خرج وشخص . وفي عدد من خرج معه ثلاثة أقوال . أحدها: سبعون ألفا ، قاله والثاني: ثمانون ألفا ، قاله ابن عباس . عكرمة والثالث: مائة ألف ، قاله والسدي . قال: وساروا في حر شديد ، فابتلاهم الله بالنهر . والابتلاء: الاختبار . وفي النهر لغتان . إحداهما: تحريك الهاء ، وهي قراءة الجمهور ، والثاني: تسكينها ، وبها قرأ مقاتل . الحسن وفي هذا النهر قولان . أحدهما: أنه ومجاهد ، نهر فلسطين قاله ابن عباس والثاني: نهر بين والسدي ، الأردن وفلسطين ، قاله عكرمة ، وقتادة ، ووجه الحكمة في ابتلائهم به أن يعلم والربيع بن أنس . طالوت من له نية في القتال منهم ، ومن ليس له نية .
[ ص: 298 ] قوله تعالى: فليس مني أي: ليس من أصحابي .
قوله تعالى: إلا من اغترف غرفة قرأ ابن كثير ونافع ، "غرفة" بفتح الغين ، وقرأ وأبو عمرو ، ابن عامر ، ، وعاصم وحمزة ، بضمها ، قال والكسائي من فتح الغين ، أراد المرة الواحدة باليد ، ومن ضمها ، أراد ملء اليد . وزعم الزجاج: أن الغرفة كان يشرب منها الرجل ، ودابته ، وخدمه ويملأ قربته . وقال بعض المفسرين: لم يرد به غرفة الكف ، وإنما أراد المرة الواحدة بقربة أو جرة ، أو ما أشبه ذلك . وفي عدد القليل الذين لم يشربوا إلا غرفة قولان . أحدهما: أنهم أربعة آلاف ، قاله مقاتل عكرمة والثاني: ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا ، وهو الصحيح ، لما روي والسدي . عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قاله لأصحابه يوم بدر "أنتم بعدة أصحاب طالوت يوم لقاء جالوت" وكانوا يوم بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا .
قوله تعالى: (لا طاقة لنا) أي: لا قوة لنا ، قال يقال: أطقت الشيء إطاقة وطاقة ، وطوقا ، مثل قولك: أطعته إطاعة وطاعة وطوعا . واختلفوا في القائلين لهذا على ثلاثة أقوال . أحدها: أنهم الذين شربوا أكثر من غرفة ، فإنهم انصرفوا ، ولم يشهدوا ، وكانوا أهل شك ونفاق ، قاله الزجاج: ابن عباس ، والثاني: أنهم الذين قلت بصائرهم من المؤمنين ، قاله والسدي . الحسن ، وقتادة ، والثالث: أنه قول الذين جاوزوا معه ، وإنما قال ذلك بعضهم لبعض ، لما رأوا من قلتهم ، وهذا اختيار وابن زيد . الزجاج .
قوله تعالى: قال الذين يظنون في هذا الظن قولان . أحدهما: أنه بمعنى اليقين ، قاله في آخرين . والثاني: أنه الظن الذي هو التردد ، فإن القوم توهموا لقلة عددهم [ ص: 299 ] أنهم سيقتلون فيلقون الله ، قاله السدي في آخرين . وفي الظانين هذا الظن قولان . أحدهما: أنهم الثلاثمائة والثلاثة عشر ، قالوا للراجعين: كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة ، قاله الزجاج والثاني: أنهم أولو العزم والفضل من الثلاثمائة والثلاثة عشر . والفئة: الفرقة ، قال السدي . وإنما قيل لهم: فئة من قولهم: فأوت رأسه بالعصا ، وفأيته: إذا شققته . الزجاج:
قوله تعالى: (بإذن الله) قال بنصر الله . الحسن:
قوله تعالى: (والله مع الصابرين) أي بالنصر والإعانة .