لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم    [ ص: 305 ] قوله تعالى: لا إكراه في الدين  في سبب نزولها أربعة أقوال . أحدها: أن المرأة من نساء الأنصار  كانت في الجاهلية إذا لم يعش لها ولد ، تحلف: لئن عاش لها ولد لتهودنه . فلما أجليت يهود بني النضير ،  كان فيهم ناس من أبناء الأنصار .  فقال الأنصار:  يا رسول الله أبناؤنا ، فنزلت هذه الآية . هذا قول  ابن عباس .  وقال  الشعبي:  قالت الأنصار:  والله لنكرهن أولادنا على الإسلام ، فإنا إنما جعلناهم في دين اليهود إذ لم نعلم دينا أفضل منه ، فنزلت هذه الآية . والثاني: أن رجلا من الأنصار  تنصر له ولدان قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم قدما المدينة ،  فلزمهما أبوهما ، وقال: والله لا أدعكما حتى تسلما ، فأبيا ، فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فنزلت هذه الآية . هذا قول  مسروق .  والثالث: أن ناسا كانوا مسترضعين في اليهود ، فلما أجلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني النضير ،  قالوا: والله ليذهبن معهم ، ولندينن بدينهم ، فمنعهم أهلوهم ، وأرادوا إكراههم على الإسلام ، فنزلت هذه الآية . والرابع: أن رجلا من الأنصار  كان له غلام اسمه صبيح ،  كان يكرهه على الإسلام ، فنزلت هذه الآية ، والقولان عن  مجاهد .  
فصل 
واختلف علماء الناسخ والمنسوخ في هذا القدر من الآية ، فذهب قوم إلى أنه محكم ، وإنه من العام المخصوص ، فإنه خص منه أهل الكتاب بأنهم لا يكرهون على الإسلام ، بل يخيرون بينه وبين أداء الجزية ، وهذا معنى ما روي عن  ابن عباس   ومجاهد   وقتادة .  
 [ ص: 306 ] وقال  ابن الأنباري:  معنى الآية: ليس الدين ما تدين به في الظاهر على جهة الإكراه عليه ، ولم يشهد به القلب ، وتنطوي عليه الضمائر ، إنما الدين هو المنعقد بالقلب . وذهب قوم إلى أنه منسوخ ، وقالوا: هذه الآية نزلت قبل الأمر بالقتال ، فعلى قولهم ، يكون منسوخا بآية السيف ، وهذا مذهب  الضحاك ،   والسدي ،   وابن زيد .  والدين هاهنا: أريد به الإسلام . والرشد: الحق ، والغي: الباطل . وقيل: هو الإيمان والكفر . فأما الطاغوت; فهو اسم مأخوذ من الطغيان ، وهو مجاوزة الحد ، قال  ابن قتيبة:  الطاغوت: واحد وجمع ، ومذكر ، ومؤنث . قال الله تعالى: أولياؤهم الطاغوت  وقال: والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها   [ الزمر: 17 ] والمراد بالطاغوت  هاهنا خمسة أقوال . أحدها: أنه الشيطان ، قاله  عمر ،   وابن عباس ،   ومجاهد ،   والشعبي ،   والسدي ،   ومقاتل  في آخرين . والثاني: أنه الكاهن ، قاله  سعيد بن جبير  ،  وأبو العالية .  والثالث: أنه الساحر ، قاله  محمد بن سيرين .  والرابع: أنه الأصنام ، قاله  اليزيدي ،   والزجاج .  والخامس: أنه مردة أهل الكتاب ، ذكره  الزجاج  أيضا . 
قوله تعالى: فقد استمسك بالعروة الوثقى  هذا مثل للإيمان ، شبه التمسك به بالتمسك بالعروة الوثيقة . وقال  الزجاج:  معنى الكلام: فقد عقد لنفسه عقدا وثيقا . والانفصام: كسر بالشيء من غير إبانة . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					