[ ص: 346 ] لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين .
قوله تعالى: لا يكلف الله نفسا إلا وسعها الوسع: الطاقة . قاله ابن عباس ، ومعناه: لا يكلفها ما لا قدرة لها عليه لاستحالته ، كتكليف الزمن السعي ، والأعمى النظر . فأما وقتادة . لفقد الآلات ، فيجوز كتكليف الكافر الذي سبق في العلم القديم أنه لا يؤمن الإيمان ، فالآية محمولة على القول الأول . ومن الدليل على ما قلناه قوله تعالى: في سياق الآية تكليف ما يستحيل من المكلف ، ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به فلو كان تكليف ما لا يطاق ممتنعا ، كان السؤال عبثا ، وقد أمر الله تعالى نبيه بدعاء قوم قال فيهم: وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذا أبدا [ الكهف: 57 ] وقال المعنى: لا تحملنا ما يثقل علينا أداؤه ، وإن كنا مطيقين له على تجشم ، وتحمل مكروه ، فخاطب ابن الأنباري: العرب على حسب ما تعقل ، فإن الرجل منهم يقول للرجل يبغضه: ما أطيق النظر إليك ، وهو مطيق لذلك ، لكنه يثقل عليه ، ومثله قوله تعالى: ما كانوا يستطيعون السمع .
قوله تعالى: (لها ما كسبت) قال لها ما كسبت من طاعة ابن عباس: (وعليها ما اكتسبت) من معصية . قال فقوله: "لها" دليل على الخير ، و"عليها" دليل على الشر . وقد ذهب قوم إلى أن "كسبت" لمرة ومرات ، و"اكتسبت" لا يكون إلا لشيء بعد شيء ، وهما عند آخرين لغتان بمعنى واحد ، كقوله عز وجل: أبو بكر النقاش: فمهل الكافرين أمهلهم رويدا [ الطارق: 17 ] .
قوله تعالى: (ربنا لا تؤاخذنا) هذا تعليم من الله للخلق أن يقولوا ذلك ، قال والمراد بالنسيان هاهنا: الترك مع العمد ، لأن النسيان الذي هو بمعنى الغفلة قد أمنت الآثام من جهته . والخطأ أيضا هاهنا من جهة العمد ، لا من جهة السهو ، يقال: أخطأ الرجل: إذا تعمد ، كما يقال: أخطأ إذا غفل . وفي "الإصر" قولان . أحدهما: أنه العهد ، قاله ابن [ ص: 347 ] الأنباري: ابن عباس ، ومجاهد ، والضحاك ، والثاني: الثقل ، أي: لا تثقل علينا من الفروض ما ثقلته على بني إسرائيل ، قاله والسدي . ابن قتيبة .
قوله تعالى: ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به فيه خمسة أقوال . أحدهما: أنه ما يصعب ويشق من الأعمال ، قاله الضحاك ، والسدي ، والجمهور ، والثاني: أنه المحبة ، [ ص: 348 ] رواه وابن زيد ، عن الثوري منصور عن إبراهيم . والثالث: الغلمة قاله والرابع: حديث النفس ووساوسها . والخامس: عذاب النار . مكحول .
قوله تعالى: (أنت مولانا) أي: أنت ولينا (فانصرنا) أي: أعنا . وكان معاذ إذا فرغ من هذه السورة قال: آمين .
[ ص: 349 ] سورة آل عمران .
ذكر أهل التفسير أنها مدنية ، وأن صدرا من أولها نزل في وفد نجران ، قدموا النبي صلى الله عليه وسلم في ستين راكبا ، فيهم العاقب ، والسيد ، فخاصموه في عيسى ، فقالوا: إن لم يكن ولد الله ، فمن أبوه؟ فنزلت فيهم صدر (آل عمران) إلى بضع وثمانين آية منها .
بسم الله الرحمن الرحيم .