قوله تعالى: (ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم) اختلف العلماء في توجيه هذه الآية على أربعة أقوال . أحدها: أن معناه: ولا تصدقوا إلا من تبع دينكم ، ولا تصدقوا أن يؤتى أحد مما أوتيتم من العلم ، وفلق البحر ، والمن ، والسلوى ، وغير ذلك ، ولا تصدقوا أن يجادلوكم عند ربكم ، لأنكم أصح دينا منهم ، فيكون هذا كله من كلام اليهود بينهم ، وتكون اللام في "لمن" صلة ، ويكون قوله تعالى: (قل إن الهدى هدى الله) كلاما معترضا بين كلامين ، هذا معنى قول مجاهد ، والثاني: أن كلام اليهود تام عند قوله: والأخفش . (لمن تبع دينكم) والباقي من قول الله تعالى ، لا يعترضه شيء من قولهم ، وتقديره: قل يا محمد: إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم يا أمة محمد ، إلا أن تجادلكم اليهود بالباطل ، فيقولون: نحن أفضل منكم ، هذا معنى قول الحسن ، قال وسعيد بن جبير . [ ص: 407 ] معنى "أن يؤتى": أن لا يؤتى . والثالث: أن في الكلام تقديما وتأخيرا ، تقديره: ولا تؤمنوا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ، إلا من تبع دينكم ، فأخرت "أن" وهي مقدمة في النية على مذهب الفراء: العرب في التقديم والتأخير ، ودخلت اللام على جهة التوكيد ، كقوله تعالى: عسى أن يكون ردف لكم [ النمل: 72 ] أي: ردفكم .
وقال الشاعر:
ما كنت أخدع للخليل بخلة حتى يكون لي الخليل خدوعا
أراد: ما كنت أخدع الخليل .
وقال الآخر:
يذمون الدنيا وهم يحلبونها أفاويق حتى ما يدر لها ثعل
أراد: يذمون الدنيا ، ذكره والرابع: أن اللام غير زائدة ، والمعنى: لا تجعلوا تصديقكم النبي في شيء مما جاء به إلا لليهود ، فإنكم إن قلتم ذلك للمشركين ، كان عونا لهم على تصديقه ، قاله ابن الأنباري . وقال الزجاج . لا تؤمنوا أن ابن الأنباري: محمدا وأصحابه على حق إلا لمن تبع دينكم ، مخافة أن يطلع على عنادكم الحق ، ويحاجوكم به عند ربكم . فعلى هذا يكون معنى الكلام: لا تقروا بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلا لمن تبع دينكم ، وقد ذكر هذا المعنى وقرأ مكي بن أبي طالب النحوي . أان يؤتى بهمزتين ، الأولى مخففة ، والثانية ملينة على الاستفهام ، مثل: أأنتم أعلم . قال ابن كثير: أبو علي: ووجهها أن "أن" في موضع رفع بالابتداء ، وخبره: يصدقون به ، أو يعترفون به ، أو يذكرونه لغيركم ، ويجوز أن يكون [ ص: 408 ] موضع "أن" نصبا ، فيكون المعنى: أتشيعون ، أو أتذكرون أن يؤتى أحد ، ومثله في المعنى: (أتحدثونهم بما فتح الله عليكم) [ البقرة: 76 ] . وقرأ الأعمش ، أن يؤتى ، بكسر الهمزة ، على معنى: ما يؤتى . وفي قوله تعالى: وطلحة بن مصرف: (أو يحاجوكم عند ربكم) قولان . أحدهما: أن معناه: ولا تصدقوا أنهم يحاجوكم عند ربكم ، لأنهم لا حجة لهم ، قاله والثاني: أن معناه: حتى يحاجوكم عند ربكم على طريق التعبد ، كما يقال: لا يلقاه أو تقوم الساعة ، قاله قتادة . الكسائي .
قوله تعالى: (إن الفضل بيد الله) قال يعني النبوة ، والكتاب ، والهدى ابن عباس: (يؤتيه من يشاء) لا ما تمنيتموه أنتم يا معشر اليهود من أنه لا يؤتى أحد مثل ما أوتيتم .