قوله تعالى: (الذين استجابوا لله والرسول) في سبب نزولها قولان .
أحدهما: أن المشركين لما انصرفوا يوم أحد ، ندب النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه لاتباعهم ، ثم خرج بمن انتدب معه ، فلقي أبو سفيان قوما ، فقال: إن لقيتم محمدا ، فأخبروه أني في جمع كثير ، فلقيهم النبي صلى الله عليه وسلم فسألهم عنه؟ فقالوا: لقيناه في جمع كثير ، ونراك في قلة ، فأبى إلا أن يطلبه ، فسبقه أبو سفيان ، فدخل مكة ، فنزلت هذه الآية ، هذا قول ابن عباس ، والجمهور .
والثاني: أن أبا سفيان لما أراد الانصراف عن أحد ، قال: يا محمد ، موعد بيننا وبينك موسم بدر ، فلما كان العام المقبل ، خرج أبو سفيان ، ثم ألقى الله في قلبه الرعب ، فبدا له الرجوع ، فلفي نعيم بن مسعود ، فقال: إني قد واعدت محمدا وأصحابه أن نلتقي بموسم بدر الصغرى ، وهذا عام جدب ، لا يصلح لنا ، فثبطهم عنا ، وأعلمهم أنا في جمع كثير ، فلقيهم فخوفهم ، فقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل ، وخرج النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه ، حتى أقاموا ببدر ينتظرون أبا سفيان ، فنزل قوله تعالى: (الذين استجابوا لله والرسول) الآيات . وهذا المعنى مروي عن مجاهد ، وعكرمة . والاستجابة: الإجابة . وأنشدوا:
[ ص: 504 ]
فلم يستجبه عند ذاك مجيب
أي: فلم يجبه .
وفي المراد النبي صلى الله عليه وسلم وخروجه وندب الناس للخروج ثلاثة أقوال .
أحدها: ليرهب العدو باتباعهم . والثاني: لموعد أبي سفيان .
والثالث: لأنه بلغه عن القوم أنهم قالوا: أصبتم شوكتهم ، ثم تركتموهم . وقد سبق الكلام في القرح .
قوله تعالى: (للذين أحسنوا منهم) أي: أحسنوا بطاعة الرسول ، واتقوا مخالفته .


