قوله تعالى: (ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله) اختلفوا فيمن نزلت على قولين .
أحدهما: أنها نزلت في الذين يبخلون أن يؤدوا زكاة أموالهم ، وهو قول ابن مسعود وأبي هريرة ، في رواية وابن عباس أبي صالح ، والشعبي ، وفي رواية ومجاهد في آخرين . السدي
والثاني: أنها في الأحبار الذين كتموا صفة النبي صلى الله عليه وسلم ، ونبوته ، رواه عطية عن ابن عباس ، عن وابن جريج واختاره مجاهد ، الزجاج .
قال ومعنى الكلام: لا يحسبن الباخلون البخل هو خيرا لهم ، فاكتفى بذكر "يبخلون" من البخل ، كما تقول: قدم فلان ، فسررت به ، أي: سررت بقدومه . الفراء:
قال الشاعر:
إذا نهي السفيه جرى إليه وخالف والسفيه إلى خلاف
يريد: جرى إلى السفه . والذي آتاهم الله على قول من قال: هو المال ، وعلى قول من قال: البخل بذكر صفة النبي صلى الله عليه وسلم هو العلم . البخل بالزكاة:
[ ص: 513 ] قوله تعالى: (هو) إشارة إلى البخل وليس مذكورا ، ولكنه مدلول عليه بـ"يبخلون" وفي معنى تطويقهم به أربعة أقوال .
أحدها: أنه يجعل كالحية يطوق بها الإنسان ، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ابن مسعود "ما من رجل لا يؤدي زكاة ماله إلا مثل له يوم القيامة شجاع أقرع يفر منه ، وهو يتبعه حتى يطوق في عنقه" ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة)" . وهذا مذهب ابن مسعود ، ومقاتل .
والثاني: أنه يجعل طوقا من نار ، رواه منصور عن مجاهد ، وإبراهيم .
والثالث: أن معنى تطويقهم به: تكليفهم أن يأتوا به ، رواه عن ابن أبي نجيح ، مجاهد .
والرابع: أن معناه: يلزم أعناقهم إثمه ، قاله ابن قتيبة .
قوله تعالى: (ولله ميراث السماوات والأرض) قال يموت أهل السماوات وأهل الأرض ، ويبقى رب العالمين . قال ابن عباس: خوطب القوم بما يعقلون ، لأنهم يجعلون ما رجع إلى الإنسان ميراثا إذا كان ملكا له ، وقال الزجاج: معنى الميراث: [ ص: 514 ] انفراد الرجل بما كان لا ينفرد به ، فلما مات الخلق ، وانفرد عز وجل ، صار ذلك له وراثة . ابن الأنباري:
قوله تعالى: (والله بما تعملون خبير) قرأ ابن كثير ، "يعملون" بالياء إتباعا لقوله تعالى: وأبو عمرو: (سيطوقون) وقرأ الباقون بالتاء ، لأن قبله (وإن تؤمنوا وتتقوا) .