ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا واتخذ الله إبراهيم خليلا
قوله تعالى: ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله قال : خير الله بين الأديان بهذه الآية . و "أسلم" بمعنى: أخلص . وفي "الوجه" قولان . ابن عباس
أحدهما: أنه الدين . والثاني: العمل . وفي الإحسان قولان . أحدهما: أنه التوحيد ، قاله والثاني: القيام لله بما فرض الله ، قاله ابن عباس . أبو سليمان الدمشقي .
وفي اتباع ملة إبراهيم قولان . أحدهما: اتباعه على التوحيد والطاعة .
والثاني: اتباع شريعته ، اختاره فأما الخليل ، فقال القاضي أبو يعلى . : الخليل: الصفي ، وقال غيره: المصافي ، وقال ابن عباس : هو المحب الذي ليس في محبته خلل . قال: وقيل: الخليل: الفقير ، فجائز أن يكون الزجاج إبراهيم سمي خليل الله بأنه أحبه محبة كاملة ، وجائز أن يكون لأنه لم يجعل فقره وفاقته إلا إليه ، و "الخلة": الصداقة ، لأن كل واحد يسد خلل صاحبه ، و "الخلة" بفتح الخاء: الحاجة ، سميت خلة للاختلال الذي يلحق الإنسان فيما يحتاج إليه ، [ ص: 212 ] وسمي الخل الذي يؤكل خلا ، لأنه اختل منه طعم الحلاوة . وقال الخليل: فعيل من الخلة ، والخلة: المودة . وقال بعض أهل اللغة: الخليل: المحب ، والمحب الذي ليس في محبته نقص ولا خلل ، والمعنى: أنه كان يحب الله ، ويحبه الله محبة لا نقص فيها ، ولا خلل ، ويقال: الخليل: الفقير ، فالمعنى: اتخذه فقيرا إليه ينزل فقره وفاقته به ، لا بغيره . وفي سبب اتخاذ الله له خليلا ثلاثة أقوال . ابن الأنباري:
أحدها: أنه اتخذه خليلا لإطعامه الطعام ، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: عبد الله بن عمرو "يا جبريل لم اتخذ الله إبراهيم خليلا؟ قال: لإطعامه الطعام"
والثاني: أن الناس أصابتهم سنة فأقبلوا إلى باب إبراهيم يطلبون الطعام ، وكانت له ميرة من صديق له بمصر في كل سنة ، فبعث غلمانه بالإبل إلى صديقه ، فلم يعطهم شيئا ، فقالوا: لو احتملنا من هذه البطحاء ليرى الناس أنا قد جئنا بميرة ، فملؤوا الغرائر رملا ، ثم أتوا إبراهيم عليه السلام ، فأعلموه ، فاهتم إبراهيم لأجل الخلق . فنام وجاءت سارة وهي لا تعلم ما كان ، ففتحت الغرائر ، فإذا دقيق حواري ، فأمرت الخبازين فخبزوا ، وأطعموا الناس ، فاستيقظ إبراهيم ، فقال: من أين هذا الطعام؟ فقالت: من عند خليلك المصري ، فقال: بل من عند خليلي الله عز وجل ، فيومئذ اتخذه الله خليلا ، رواه أبو صالح عن ابن عباس .
والثالث: أنه اتخذه خليلا لكسره الأصنام ، وجداله قومه ، قاله . مقاتل