إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم  [ ص: 343 ] من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم   
قوله تعالى: إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله  في سبب نزولها: أربعة أقوال . 
أحدها: أنها نزلت في ناس من عرينة  قدموا المدينة ،  فاجتووها ، فبعثهم رسول الله في إبل الصدقة ، وأمرهم أن يشربوا من ألبانها وأبوالها ففعلوا ، فصحوا ، وارتدوا عن الإسلام ، وقتلوا الراعي ، واستاقوا الإبل ، فأرسل رسول الله في آثارهم ، فجيء بهم ، فقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ، وسمر أعينهم ، وألقاهم بالحرة حتى ماتوا ، ونزلت هذه الآية ، رواه  قتادة  عن  أنس ،  وبه قال  سعيد بن جبير ،   والسدي .  
والثاني: أن قوما من أهل الكتاب كان بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم عهد وميثاق ، فنقضوا العهد ، وأفسدوا في الأرض . فخير الله رسوله بهذه الآية: إن شاء أن يقتلهم ، وإن شاء أن يقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف . رواه ابن أبي طلحة  عن  ابن عباس ،  وبه قال  الضحاك .  
 [ ص: 344 ] والثالث: أن أصحاب أبي بردة الأسلمي  قطعوا الطريق على قوم جاؤوا يريدون الإسلام فنزلت هذه الآية ، رواه  أبو صالح  عن  ابن عباس .  وقال  ابن السائب:  كان أبو بردة ،  واسمه هلال بن عويمر ،  وادع النبي صلى الله عليه وسلم على أن لا يعينه ولا يعين عليه ، ومن أتاه من المسلمين لم يهج ، ومن مر بهلال  إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يهج ، فمر قوم من بني كنانة  يريدون الإسلام بناس من قوم هلال ،  فنهدوا إليهم ، فقتلوهم وأخذوا أموالهم ، ولم يكن هلال  حاضرا ، فنزلت هذه الآية . 
والرابع: أنها نزلت في المشركين ، رواه  عكرمة  عن  ابن عباس ،  وبه قال  الحسن .  واعلم أن ذكر "المحاربة" لله عز وجل في الآية مجاز . 
 [ ص: 345 ] وفي معناها للعلماء قولان . 
أحدهما: أنه سماهم محاربين له تشبيها بالمحاربين حقيقة ، لأن المخالف محارب ، وإن لم يحارب ، فيكون المعنى: يخالفون الله ورسوله بالمعاصي . 
والثاني: أن المراد: يحاربون أولياء الله ، وأولياء رسوله . وقال  سعيد بن جبير:  أراد بالمحاربة لله ورسوله ، الكفر بعد الإسلام . وقال  مقاتل:  أراد بها الشرك . فأما "الفساد" فهو القتل والجراح وأخذ الأموال ، وإخافة السبيل . 
قوله تعالى: أن يقتلوا أو يصلبوا  اختلف العلماء هل هذه العقوبة على الترتيب ، أم على التخيير؟ فمذهب  أحمد  رضي الله عنه أنها على الترتيب ، وأنهم إذا قتلوا ، وأخذوا المال  ، أو قتلوا ولم يأخذوا ، قتلوا وصلبوا ، وإن أخذوا المال ، ولم يقتلوا ، قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف ، وإن لم يأخذوا المال ، نفوا . قال  ابن الأنباري:  فعلى هذا تكون "أو" مبعضة ، فالمعنى: بعضهم يفعل به كذا ، وبعضهم كذا ، ومثله قوله: كونوا هودا أو نصارى   [البقرة: 135] 
المعنى قال بعضهم هذا ، وقال بعضهم هذا . وهذا القول اختيار أكثر اللغويين . 
وقال  الشافعي:  إذا قتلوا وأخذوا المال ، قتلوا وصلبوا ، وإذا قتلوا ولم يأخذوا المال ، قتلوا ولم يصلبوا ، وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا ، قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف . وقال مالك: الإمام مخير في إقامة أي الحدود شاء ، سواء قتلوا أو لم يقتلوا ، أخذوا المال أو لم يأخذوا ، والصلب بعد القتل . وقال أبو حنيفة ،   [ ص: 346 ] ومالك: يصلب ويبعج برمح حتى يموت . واختلفوا في مقدار زمان الصلب  ، فعندنا أنه يصلب بمقدار ما يشتهر صلبه . واختلف أصحاب  الشافعي ،  فقال بعضهم: ثلاثة أيام ، وهو مذهب أبي حنيفة ،  وقال بعضهم: يترك حتى يسيل صديده . قال  أبو عبيدة:  ومعنى "من خلاف" أن تقطع يده اليمنى ورجله اليسرى ، يخالف بين قطعهما . فأما "النفي" فأصله الطرد والإبعاد . 
وفي صفة نفيهم أربعة أقوال . 
أحدها: إبعادهم من بلاد الإسلام إلى دار الحرب ، قاله  أنس بن مالك ،   والحسن ،   وقتادة ،  وهذا إنما يكون في حق المحارب المشرك ، فأما المسلم فلا ينبغي أن يضطر إلى ذلك . 
والثاني: أن يطلبوا لتقام عليهم الحدود ، فيبعدوا ، قاله  ابن عباس ،   ومجاهد .  
والثالث: إخراجهم من مدينتهم إلى مدينة أخرى ، قاله  سعيد بن جبير .  
وقال  مالك:  ينفى إلى بلد غير بلده ، فيحبس هناك . 
والرابع: أنه الحبس ، قاله أبو حنيفة  وأصحابه . وقال أصحابنا: صفة النفي: أن يشرد ولا يترك يأوي في بلد ، فكلما حصل في بلد نفي إلى بلد غيره . 
وفي "الخزي" قولان . 
أحدهما: أنه العقاب . والثاني: الفضيحة . 
وهل يثبت لهم حكم المحاربين في المصر ، أم لا؟ ظاهر كلام أصحابنا أنه لا يثبت لهم ذلك في المصر وهو قول أبي حنيفة .  وقال  الشافعي ،   [ ص: 347 ] وأبو يوسف:  المصر والصحاري سواء ، ويعتبر في المال المأخوذ قدر نصاب ، كما يعتبر في حق السارق ، خلافا  لمالك .  
				
						
						
