قوله تعالى: وأنزلنا إليك الكتاب يعني: القرآن (بالحق) أي: بالصدق مصدقا لما بين يديه من الكتاب قال : يريد كل كتاب أنزله الله تعالى . وفي "المهيمن" أربعة أقوال . ابن عباس
أحدها: أنه المؤيمن رواه التميمي عن وبه قال ابن عباس ، سعيد بن جبير ، وعكرمة ، وعطاء ، وقال والضحاك . "مهيمن" في معنى: "مؤيمن" إلا أن الهاء بدل من الهمزة ، كما قالوا: أرقت الماء ، وهرقت ، وإياك وهياك . المبرد:
وأرباب هذا القول يقولون: المعنى: أن القرآن مؤتمن على ما قبله من الكتب إلا أن روى عن ابن أبي نجيح ومهيمنا عليه . قال: مجاهد: محمد مؤتمن على القرآن . فعلى قوله ، في الكلام محذوف ، كأنه قال: وجعلناك يا محمد مهيمنا عليه ، فتكون هاء "عليه" راجعة إلى القرآن . وعلى غير قول ترجع إلى الكتب المتقدمة . مجاهد
[ ص: 371 ] والثاني: أنه الشاهد ، رواه عن أبو صالح وبه قال ابن عباس ، الحسن ، وقتادة ، والسدي ، ومقاتل .
والثالث: أنه المصدق على ما أخبر عن الكتب ، وهذا قول ابن زيد ، وهو قريب من القول الأول .
والرابع: أنه الرقيب الحافظ ، قاله الخليل .
قوله تعالى: فاحكم بينهم يشير إلى اليهود بما أنزل الله إليك في القرآن ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق قال المعنى: فترجع عما جاءك . قال أبو سليمان: : لا تأخذ بأهوائهم في جلد المحصن . ابن عباس
[ ص: 371 ] قوله تعالى: لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا قال مجاهد: الشرعة: السنة ، والمنهاج: الطريق . وقال الشرعة والشريعة واحد . والمنهاج: الطريق الواضح . فإن قيل: كيف نسق "المنهاج" على "الشرعة" وكلاهما بمعنى واحد؟ فعنه جوابان . ابن قتيبة:
أحدهما: أن بينهما فرقا من وجهين: أحدهما: أن "الشرعة" ابتداء الطريق ، والمنهاج: الطريق المستمر ، قاله والثاني: أن "الشرعة" الطريق الذي ربما كان واضحا ، وربما كان غير واضح . والمنهاج: الطريق الذي لا يكون إلا واضحا ، ذكره المبرد . فلما وقع ابن الأنباري . ، حسن نسق أحدهما على الآخر . الاختلاف بين الشرعة والمنهاج
والثاني: أن الشرعة والمنهاج بمعنى واحد . وإنما نسق أحدهما على الآخر لاختلاف اللفظين . قال الحطيئة:
ألا حبذا هند وأرض بها هند وهند أتى من دونها النأي والبعد
فنسق البعد على النأي لماخالفه في اللفظ ، وإن كان موافقا له في المعنى ، ذكره وأجاب عنه أرباب القول الأول ، فقالوا: "النأي": كل ما قل بعده أو كثر كأنه المفارقة ، والبعد إنما يستعمل فيما كثرت مسافة مفارقته . ابن الأنباري .
وللمفسرين في معنى الكلام قولان .
أحدهما: لكل ملة جعلنا شرعة ومنهاجا ، فلأهل التوراة شريعة ، ولأهل [ ص: 373 ] الإنجيل شريعة ، ولأهل القرآن شريعة ، هذا قول الأكثرين . قال الخطاب للأمم الثلاث: أمة قتادة: موسى ، وعيسى ، وأمة محمد ، فللتوراة شريعة ، وللإنجيل شريعة ، وللفرقان شريعة يحل الله فيها ما يشاء ، ويحرم ما [يشاء] بلاء ، ليعلم من يطيعه ممن يعصيه ، [ولكن] الدين الواحد الذي لا يقبل غيره ، التوحيد والإخلاص لله الذي جاءت به الرسل .
والثاني: أن المعنى: لكل من دخل في دين محمد جعلنا القرآن شرعة ومنهاجا ، هذا قول مجاهد .
قوله تعالى: ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة فيه قولان .
أحدهما: لجمعكم على الحق .
والثاني: لجعلكم على ملة واحدة ولكن ليبلوكم أي: ليختبركم في ما آتاكم من الكتب ، وبين لكم من الملل . فإن قيل: إذا كان المعني بقوله: لكل جعلنا [ ص: 374 ] منكم شرعة :نبينا محمدا مع سائر الأنبياء قبله ، فمن المخاطب بقوله: ليبلوكم ؟ فالجواب: أنه خطاب لنبينا ، والمراد به سائر الأنبياء والأمم . قال ابن جرير: والعرب من شأنها إذا خاطبت غائبا ، فأرادت الخبر عنه أن تغلب المخاطب ، فتخرج الخبر عنهما على وجه الخطاب .
قوله تعالى: فاستبقوا الخيرات قال ، ابن عباس هو خطاب لأمة والضحاك: محمد عليه السلام . قال و "الخيرات": الأعمال الصالحة . مقاتل: إلى الله مرجعكم في الآخرة فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون من الدين . قال قد بين ذلك في الدنيا بالأدلة والحجج ، وغدا يبينه بالمجازاة . ابن جرير: