قوله تعالى: قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله إنما وصفوا بالخسران ، لأنهم باعوا الإيمان بالكفر ، فعظم خسرانهم .
والمراد بلقاء الله: البعث والجزاء ، والساعة: القيامة ، والبغتة: الفجأة . [ ص: 25 ] قال : كل ما أتى فجأة فقد بغت ، يقال: قد بغته الأمر يبغته بغتا وبغتة: إذا أتاه فجأة . قال الشاعر: الزجاج
ولكنهم بانوا ولم أخش بغتة وأفظع شيء حين يفجؤك البغت
قوله تعالى: يا حسرتنا الحسرة: التلهف على الشيء الفائت ، وأهل التفسير يقولون يا ندامتنا .
فإن قيل: ما معنى دعاء الحسرة ، وهي لا تعقل ،
فالجواب: أن العرب إذا اجتهدت في المبالغة في الإخبار عن عظيم ما تقع فيه ، جعلته نداء ، فتدخل عليه "يا" للتنبيه ، والمراد تنبيه الناس ، لا تنبيه المنادي . ومثله قولهم: لا أرينك هاهنا ، لفظه لفظ الناهي لنفسه ، والمعنى للمنهي ، ومن هذا قولهم يا خيل الله اركبي ، يراد: يا فرسان خيل الله . وقال إذا قلت: يا عجباه ، فكأنك قلت: احضر وتعال يا عجب ، فهذا زمانك . فأما التفريط فهو: التضييع . سيبويه:
وقال : التفريط في اللغة: تقدمه العجز . وفي المكنى عنه بقوله: "فيها" ثلاثة أقوال . الزجاج
أحدها: أنها الدنيا ، فالمعنى: على ما ضيعنا في الدنيا من عمل الآخرة ، قاله . [ ص: 26 ] والثاني: أنها الصفقة ، لأن الخسران لا يكون إلا في صفقة ، وترك ذكرها اكتفاء بذكر الخسران ، قاله مقاتل ابن جرير .
والثالث: أنها الطاعة ، ذكره بعض المفسرين .
فأما الأوزار ، فقال هي الآثام ، وأصل الوزر: الحمل على الظهر . وقال ابن قتيبة: الوزر: الثقل . وهل هذا الحمل حقيقة؟ فيه قولان . ابن فارس:
أحدهما: أنه على حقيقته . قال يحشر مع كل كافر عمله في صورة رجل قبيح ، كلما كان هول عظمه عليه ، وزاده خوفا ، فيقول: بئس الجليس أنت ، ما لي ولك؟ فيقول: أنا عملك طالما ركبتني في الدنيا ، فلأركبنك اليوم حتى أخزيك على رؤوس الناس ، فيركبه ويتخطى به الناس حتى يقف بين يدي ربه ، فذلك قوله: عمير بن هانئ: وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم وهذا قول السدي ، وعمرو بن قيس الملائي ومقاتل .
والثاني: أنه مثل ، والمعنى: يحملون ثقل ذنوبهم ، قاله قال: فجعل ما ينالهم من العذاب بمنزلة أثقل ما يتحمل ، ومعنى الزجاج ألا ساء ما يزرون بئس الشيء شيئا يزرونه ، أي يحملونه .