قوله تعالى: وهو الذي أنزل من السماء ماء يعني المطر فأخرجنا به أي: بالمطر . وفي قوله تعالى: نبات كل شيء قولان .
أحدهما: نبات كل شيء من الثمار ، لأن كل ما ينبت ، فنباته بالماء .
والثاني: رزق كل شيء غذاؤه . وفي قوله تعالى: فأخرجنا منه قولان . أحدهما: من الماء ، أي: به .
والثاني: من النبات . قال الزجاج : الخضر; بمعنى الأخضر يقال: اخضر; فهو أخضر ، وخضر ، مثل أعور ، فهو أعور ، وعور .
قوله تعالى: نخرج منه أي: من الخضر حبا متراكبا كالسنبل والشعير .
والمتراكب: الذي بعضه فوق بعض .
قوله تعالى: ومن النخل من طلعها قنوان دانية وروى الخفاف عن أبي عمرو: "قنوان" بضم القاف; وروى هارون عنه بفتحها . قال الفراء: معناه: ومن النخل ما قنوانه دانية; وأهل الحجاز يقولون: "قنوان" بكسر القاف; وقيس يضمونها; وضبة ، وتميم يقولون "قنيان" . وأنشدني المفضل عنهم:
فأثت أعاليه وآدت أصوله ومال بقنيان من البسر أحمرا
[ ص: 94 ] ويجتمعون جميعا ، فيقولون: "قنو" و"قنو" ولا يقولون: "قني" ولا "قني" وكلب يقولون: "ومال بقنيان" قال المصنف: والبيت لامرئ القيس; ورواه أبو سعيد السكري: "ومال بقنوان" مكسورة القاف مع الواو ، ففيه أربع لغات: قنوان ، وقنوان ، وقنيان ، وقنيان; و"أثت": كثرت; ومنه: شعر أثيت . و"آدت": اشتدت . وقال ابن قتيبة: القنوان: عذوق النخل ، واحدها: قنو ، جمع على لفظ تثنية; ومثله: صنو وصنوان في التثنية ، وصنوان في الجمع . وقال الزجاج : قنوان: جمع قنو ، وإذا ثنيته فهما قنوان ، بكسر النون . ودانية ، أي: قريبة المتناول ، ولم يقل: "ومنها قنوان بعيدة" لأن في الكلام دليلا أن البعيدة السحيقة; قد كانت غير سحيقة ، فاجتزئ بذكر القريبة عن ذكر البعيدة; كقوله تعالى: سرابيل تقيكم الحر [النحل:81] . وقال ابن عباس : القنوان الدانية: قصار النخل اللاصقة عذوقها بالأرض .
قوله تعالى: وجنات من أعناب قال الزجاج : هو نسق على قوله: "خضرا" والزيتون والرمان المعنى . وأخرجنا منه شجر الزيتون والرمان: وقد روى أبو زيد عن المفضل: و"جنات" بالرفع .
قوله تعالى: مشتبها وغير متشابه فيه ثلاثة أقوال .
أحدها: مشتبها في المنظر ، وغير متشابه في الطعم ، رواه أبو صالح عن ابن عباس .
والثاني مشتبها ورقه ، مختلفا ثمره ، قاله قتادة ، وهو في معنى الأول .
والثالث: منه ما يشبه بعضه بعضا ، ومنه ما يخالف . قال الزجاج : وإنما قرن الزيتون بالرمان ، لأنهما شجرتان تعرف العرب أن ورقهما يشتمل على الغصن من أوله إلى آخره . قال الشاعر: [ ص: 95 ]
بورك الميت الغريب كما بو رك نضح الرمان والزيتون
ومعناه: أن البركة في ورقه اشتماله على عوده كله .
قوله تعالى: ( انظروا إلى ثمرة ) قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وعاصم: " انظروا إلى ثمره " ، " وكلوا من ثمره " [الأنعام:141] ، و " ليأكلوا من ثمره " [يس: 35]: بالفتح في ذلك . وقرأ حمزة ، والكسائي ، وخلف: بالضم فيهن . قال الزجاج : يقال: ثمرة ، وثمر ، وثمار ، وثمر; فمن قرأ: "إلى ثمره" بالضم أراد جمع الجمع . وقال أبو علي: يحتمل وجهين . أحدهما هذا ، وهو أن يكون الثمر جمع ثمار .
والثاني: أن تكون الثمر جمع ثمرة ، وكذلك: أكمة ، وأكم ، وخشبة وخشب . قال الفراء: يقول: انظروا إليه أول ما يعقد ، وانظروا إلى ينعه ، وهو نضجه وبلوغه . وأهل الحجاز يقولون: ينع ، بفتح الياء ، وبعض أهل نجد يضمونها . قال ابن قتيبة: يقال ينعت الثمرة ، وأينعت: إذا أدركت ، وهو الينع والينع . وقرأ الحسن ، ومجاهد ، وقتادة ، والأعمش ، وابن محيصن: "وينعه" بضم الياء . قال الزجاج : الينع: النضج . قال الشاعر:
في قباب حول دسكرة حولها الزيتون قد ينعا
وبين الله تعالى لهم بتصريف ما خلق ، ونقله من حال إلى حال لا يقدر عليه الخلق ، أنه كذلك يبعثهم .
[ ص: 96 ] قوله تعالى: إن في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون قال ابن عباس : يصدقون أن الذي أخرج هذا النبات قادر على أن يحيي الموتى . وقال مقاتل: يصدقون بالتوحيد .


