أحدها: أنه يوم السبت . روى في "صحيحه" من حديث مسلم قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي ، فقال: أبي هريرة وهذا اختيار محمد بن إسحاق . قال خلق الله عز وجل التربة يوم السبت ، وخلق الجبال فيها يوم الأحد ، وخلق الشجر يوم الاثنين ، وخلق المكروه يوم الثلاثاء ، وخلق النور يوم الأربعاء ، وبث فيها الدواب يوم الخميس ، وخلق آدم بعد العصر [من] يوم الجمعة [في] آخر الخلق ، في آخر ساعة من ساعات الجمعة فيما بين العصر إلى الليل وهذا إجماع أهل العلم . ابن الأنباري:
والثاني: يوم الأحد ، قاله عبد الله بن سلام ، وكعب ، والضحاك ، واختاره ومجاهد ، وبه يقول أهل التوراة . ابن جرير الطبري ،
والثالث: يوم الاثنين ، قاله وبهذا يقول أهل الإنجيل . ومعنى قوله: ابن إسحاق ، في ستة أيام أي: في مقدار ذلك ، لأن اليوم يعرف بطلوع الشمس وغروبها ، ولم تكن الشمس حينئذ . قال : مقدار كل يوم من تلك الأيام ألف سنة ، وبه قال ابن عباس كعب ، ومجاهد ، ولا نعلم خلافا في ذلك . ولو قال قائل: إنها كأيام الدنيا ، كان قوله بعيدا من وجهين . والضحاك ،
أحدهما: خلاف الآثار . والثاني: أن الذي يتوهمه المتوهم من الإبطاء في [ ص: 212 ] ستة آلاف سنة ، يتوهمه في ستة أيام عند تصفح قوله: إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون [يس:82] . فإن قيل: فهلا خلقها في لحظة ، فإنه قادر؟ فعنه خمسة أجوبة .
أحدها: أنه أراد أن يوقع في كل يوم أمرا تستعظمه الملائكة ومن يشاهده ، ذكره ابن الأنباري .
والثاني: أن التثبت في تمهيد ما خلق لآدم وذريته قبل وجوده ، أبلغ في تعظيمه عند الملائكة .
والثالث: أن التعجيل أبلغ في القدرة ، والتثبيت أبلغ في الحكمة ، فأراد إظهار حكمته في ذلك ، كما يظهر قدرته في قوله: " كن فيكون "
والرابع: أنه علم عباده التثبت ، فإذا تثبت من لا يزل كان ذو الزلل أول بالتثبت .
والخامس: أن ذلك الإمهال في خلق شيء بعد شيء ، أبعد من أن يظن أن ذلك وقع بالطبع أو بالاتفاق .
قوله تعالى: ثم استوى على العرش قال الخليل بن أحمد: العرش: السرير; وكل سرير لملك يسمى عرشا; وقلما يجمع العرش إلا في اضطرار; واعلم أن ذكر العرش مشهور عند العرب في الجاهلية والإسلام . قال أمية بن أبي الصلت:
مجدوا الله فهو للمجد أهل ربنا في السماء أمسى كبيرا بالبناء الأعلى الذي سبق الناس
وسوى فوق السماء سريرا شرجعا لا يناله ناظر العي
ن ترى دونه الملائك صورا
وقال إن السماوات في العرش كالقنديل معلق بين السماء والأرض . [ ص: 213 ] وروى كعب: عن إسماعيل بن أبي خالد سعد الطائي قال: العرش ياقوتة حمراء . وإجماع السلف منعقد على أن لا يزيدوا على قراءة الآية . وقد شذ قوم فقالوا: العرش بمعنى الملك . وهذا عدول عن الحقيقة إلى التجوز ، مع مخالفة الأثر; ألم يسمعوا قوله تعالى: وكان عروشه على الماء [هود:7] أتراه كان الملك على الماء؟ وكيف يكون الملك ياقوتة حمراء؟ وبعضهم يقول: استوى بمعنى أستولى; ويحتج بقول الشاعر:
حتى استوى بشر على العراق من غير سيف ودم مهراق
ويقول الشاعر أيضا:
هما استويا بفضلهما جميعا على عرش الملوك بغير زور
وهذا منكر عند اللغويين . قال ابن الأعرابي: العرب لا تعرف استوى بمعنى استولى ، ومن قال ذلك فقد أعظم . قالوا: وإنما يقال: استولى فلان على كذا ، إذا كان بعيدا عنه غير متمكن منه ، ثم تمكن منه; والله عز وجل لم يزل مستوليا على الأشياء; والبيتان لا يعرف قائلهما ، كذا قال ولو صحا ، فلا حجة فيهما لما بينا من استيلاء من لم يكن مستوليا . نعوذ بالله من تعطيل الملحدة وتشبيه المجسمة . ابن فارس اللغوي .
قوله تعالى: يغشي الليل النهار قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، "يغشي" ساكنة الغين خفيفة . وقرأ وابن عامر: حمزة ، والكسائي ، عن وأبو بكر "يغشي" مفتوحة الغين مشددة; وكذلك قرؤوا في (الرعد:3) قال عاصم: : المعنى: أن الليل يأتي على النهار فيغطيه; وإنما لم يقل: ويغشي النهار الليل ، لأن في الكلام دليلا عليه; وقد قال فى موضع آخر: الزجاج يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل [الزمر:5] وقال أبو علي: إنما لم يقل: يغشي [ ص: 214 ] النهار الليل ، لأنه معلوم من فحوى الكلام ، كقوله: سرابيل تقيكم الحر [النحل:81] ، وانتصب الليل والنهار ، لأن كل واحد منهما مفعول به . فأما الحثيث ، فهو السريع .
قوله تعالى: والشمس والقمر والنجوم مسخرات قرأ الأكثرون: بالنصب فيهن ، وهو على معنى: خلق السماوات والشمس . وقرأ "والشمس والقمر والنجوم مسخرات" بالرفع فيهن هاهنا وفي [النحل:12] تابعه ابن عامر: حفص في قوله تعالى: والنجوم مسخرات في [النحل: 12] فحسب . والرفع على الاستئناف . والمسخرات: المذللات لما يراد منهن من طلوع وأفول وسير على حسب إرادة المدبر لهن .
قوله تعالى: ألا له الخلق لأنه خلقهم (والأمر) فله أن يأمر بما يشاء . وقيل: الأمر: القضاء .
قوله تعالى: تبارك الله فيه أربعة أقوال .
أحدها: تفاعل من البركة ، رواه عن الضحاك وكذلك قال ابن عباس; القتيبي ، وقال والزجاج . أفتعل من البركة; وقال أبو مالك: تجيء البركة من قبله . وقال الحسن: تبارك: من البركة; وهو في العربية كقوله: تقدس ربنا . الفراء:
والثاني: أن تبارك بمعنى تعالى ، رواه عن أبو صالح وكذلك قال ابن عباس . أبو العباس: تبارك: ارتفع; والمتبارك: المرتفع .
والثالث: أن المعنى: باسمه يتبرك في كل شيء ، قاله ابن الأنباري .
والرابع: أن معنى "تبارك" تقدس ، أي: تطهر ذكره أيضا . ابن الأنباري