[ ص: 238 ] ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين قال الملأ من قوم فرعون إن هذا لساحر عليم يريد أن يخرجكم من أرضكم فماذا تأمرون قالوا أرجه وأخاه وأرسل في المدائن حاشرين يأتوك بكل ساحر عليم وجاء السحرة فرعون قالوا إن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين قال نعم وإنكم لمن المقربين قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين قال ألقوا فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك فإذا هي تلقف ما يأفكون فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين وألقي السحرة ساجدين قالوا آمنا برب العالمين رب موسى وهارون
قوله تعالى: ونزع يده قال : أدخل يده في جيبه ، ثم أخرجها ، فإذا هي تبرق مثل البرق ، لها شعاع غلب نور الشمس ، فخروا على وجوههم; ثم أدخلها جيبه فصارت كما كانت . قال ابن عباس بيضاء من غير برص . مجاهد:
قوله تعالى: فماذا تأمرون قال : ما الذي تشيرون به علي؟ وهذا يدل على أنه من قول ابن عباس فرعون ، وأن كلام الملإ انقطع عند قوله: من أرضكم . قال : يجوز أن يكون من قول الملإ ، كأنهم خاطبوا الزجاج فرعون ومن يخصه ، أو خاطبوه وحده; لأنه قد يقال للرئيس: المطاع ماذا ترون؟
قوله تعالى: أرجئه قرأ "أرجهؤ" مهموز بواو بعد الهاء في اللفظ . وقرأ ابن كثير مثله ، غير أنه يضم الهاء ضمة ، من غير أن يبلغ بها الواو; وكانا يهمزان: (مرجؤن)[التوبة:106] و(ترجئ)[الأحزاب:51] . [ ص: 239 ] وقرأ قالوا أبو عمرو والمسيبي عن "أرجه" بكسر الهاء ، ولا يبلغ بها الياء ، ولا يهمز . وروى عنه نافع "أرجهي" يصلها بياء ، ولا يهمز بين الجيم والهاء . وكذلك قال ورش: عن إسماعيل بن جعفر وهي قراءة نافع; وقرأ الكسائي . "أرجه" ساكنة الهاء غير مهموز ، وكذلك قرأ حمزة: في غير رواية عاصم وقد روى عنه المفضل ، كسر الهاء من غير إشباع ولا همز ، وهي قراءة المفضل أبي جعفر ، وكذلك اختلافهم في سورة (الشعراء:36) . قال أرجه: أخره; وقد يهمز ، يقال: أرجأت الشيء ، وأرجيته . ومنه قوله: ابن قتيبة: ترجي من تشاء منهن [الأحزاب: 51] . قال الفراء: بنو أسد تقول: أرجيت الأمر ، بغير همز ، وكذلك عامة قيس; وبعض بني تميم يقولون: أرجأت الأمر ، بالهمز ، والقراء مولعون بهمزها ، وترك الهمز أجود .
قوله تعالى: وأرسل في المدائن يعني مدائن مصر ، (حاشرين) أي: من يحشر السحرة إليك ويجمعهم . وقال : هم الشرط . ابن عباس
قوله تعالى: يأتوك بكل ساحر قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وعاصم ، (ساحر) وفي (يونس:79): (بكل ساحر); وقرأ وابن عامر: حمزة ، (سحار) في الموضعين; ولا خلاف في (الشعراء:37) أنها: (سحار) . والكسائي:
قوله تعالى: إن لنا لأجرا قرأ ابن كثير ، ونافع ، وحفص عن عاصم: إن لنا لأجرا مكسورة الألف على الخبر ، وفي (الشعراء:41) (آين) ممدودة مفتوحة الألف ، غير أن حفصا روى عن في (الشعراء:41): (أإن) بهمزتين . وقرأ عاصم (آين لنا) ممدودة في السورتين . وقرأ أبو عمرو: ابن عامر ، وحمزة ، والكسائي ، عن وأبو بكر بهمزتين في الموضعين . [ ص: 240 ] قال عاصم: أبو علي: الاستفهام أشبه بهذا الموضع ، لأنهم لم يقطعوا على أن لهم الأجر ، وإنما استفهموا عنه .
قوله تعالى: وإنكم لمن المقربين أي: ولكم مع الأجر المنزلة الرفيعة عندي .
قوله تعالى: سحروا أعين الناس قال عشوا أعين الناس وأخذوها . (واسترهبوهم) أي: خوفوهم . وقال أبو عبيدة: : استدعوا رهبتهم حتى رهبهم الناس . الزجاج
قوله تعالى: فإذا هي تلقف وقرأ تلقف ساكنة اللام ، خفيفة القاف هاهنا وفي (طه:69) ، و(الشعراء:45) . وروى البزي ، وابن فليح عن ابن كثير: (تلقف) بتشديد التاء . قال عاصم: يقال: لقفت الشيء ، فأنا ألقفه لقفا ولقفانا; والمعنى: تبتلع . الفراء:
قوله تعالى: ما يأفكون أي: يكذبون ، لأنهم زعموا أنها حيات .
قوله تعالى: فوقع الحق قال : استبان . ابن عباس وبطل ما كانوا يعملون من السحر .
الإشارة إلى قصتهم
اختلفوا في عدد السحرة على ثلاثة عشر قولا . أحدها: اثنان وسبعون ، رواه عن أبو صالح والثاني: اثنان وسبعون ألفا ، روي عن ابن عباس . أيضا . وبه قال ابن عباس والثالث: سبعون ، روي عن مقاتل . أيضا . والرابع: اثنا عشر ألفا ، قاله ابن عباس والخامس: سبعون ألفا ، قاله كعب . [ ص: 241 ] وكذلك قال عطاء ، في رواية ، ألا أنه قال: فاختار منهم سبعة آلاف . والسادس: سبعمائة . وروى وهب عبد المنعم بن إدريس عن أبيه عن أنه قال: كان عدد السحرة الذين عارضوا وهب موسى سبعين ألفا ، متخيرين من سبعمائة ألف ، ثم إن فرعون اختار من السبعين الألف سبعمائة . والسابع: خمسة وعشرون ألفا ، قاله والثامن: تسعمائة ، قاله الحسن . والتاسع: ثمانون ألفا ، قاله عكرمة . والعاشر: بضعة وثلاثون ألفا ، قاله محمد بن المنكدر . والحادي عشر: خمسة عشر ألفا ، قاله السدي . والثاني عشر: تسعة عشر ألفا ، رواه ابن إسحاق . والثالث عشر: أربعمائة ، حكاه أبو سليمان الدمشقي . فأما أسماء رؤسائهم ، فقال الثعلبي . رؤوس السحرة ابن إسحاق: سانور ، وعاذور ، وحطحط ، ومصفى ، وهم الذين آمنوا ، كذا حكاه ورأيت عن غير ابن ماكولا . ابن إسحاق: سابورا ، وعازورا ، وقال اسم أكبرهم مقاتل: شمعون . قال : ألقوا حبالا غلاظا ، وخشبا طوالا ، فكانت ميلا في ميل ، فألقى ابن عباس موسى عصاه ، فإذا هي أعظم من حبالهم وعصيهم ، قد سدت الأفق ، ثم فتحت فاها ثمانين ذراعا ، فابتلعت ما ألقوا من حبالهم وعصيهم ، وجعلت تأكل جميع ما قدرت عليه من صخرة أو شجرة ، والناس ينظرون ، وفرعون يضحك تجلدا ، فأقبلت الحية نحو فرعون ، فصاح: يا موسى ، يا موسى ، فأخذها موسى ، وعرفت السحرة أن هذا من السماء ، وليس هذا بسحر ، فخروا سجدا ، وقالوا آمنا برب العالمين فقال فرعون: إياي تمنون؟ فقالوا: رب موسى وهارون ، فأصبحوا سحرة ، وأمسوا شهداء . وقال لما صارت ثعبانا حملت على الناس فانهزموا منها ، فقتل بعضهم بعضا ، فمات منهم خمسة وعشرون ألفا . وقال وهب بن منبه: لقي السدي: موسى أمير السحرة ، فقال: أرأيت إن غلبتك [ ص: 242 ] غدا ، أتؤمن بي ؟فقال الساحر: لآتين غدا بسحر لا يغلبه السحر ، فوالله لئن غلبتني لأومنن بك . فإن قيل: كيف جاز أن يأمرهم موسى بالإلقاء ، وفعل السحر كفر؟ فعنه ثلاثة أجوبة . أحدها: أن مضمون أمره: إن كنتم محقين فألقوا . والثاني: ألقوا على ما يصح ، لا على ما يفسد ويستحيل ، ذكرهما والثالث: إنما أمرهم بالإلقاء لتكون معجزته أظهر ، لأنهم إذا ألقوا ، ألقى عصاه فابتلعت ذلك ، ذكره الماوردي فإن قيل: كيف قال: الواحدي . وألقي السحرة ساجدين وإنما سجدوا باختيارهم؟ فالجواب أنه لما زالت كل شبهة بما أظهر الله تعالى من أمره ، اضطرهم عظيم ما عاينوا إلى مبادرة السجود ، فصاروا مفعولين في الإلقاء تصحيحا وتعظيما لشأن ما رأوا من الآيات ، ذكره قال ابن الأنباري . : لما آمنت السحرة ، اتبع ابن عباس موسى ستمائة ألف من بني إسرائيل .