[ ص: 270 ] واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة إنا هدنا إليك قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون
قوله تعالى: واكتب لنا أي: حقق لنا وأوجب في هذه الدنيا حسنة وهي الأعمال الصالحة وفي الآخرة المغفرة والجنة إنا هدنا إليك أي: تبنا ، قاله ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، وأبو العالية ، وقتادة ، والضحاك ، وقال والسدي . ومنه " الذين هادوا " [البقرة:62] كأنهم رجعوا من شيء إلى شيء . وقرأ ابن قتيبة: أبو وجزة السعدي: إنا هدنا بكسر الهاء . قال المعنى: لا تتغير; يقال: هاد يهود ويهيد . ابن الأنباري:
قوله تعالى: قال عذابي أصيب به من أشاء . وقرأ الحسن البصري ، والأعمش ، من أساء بسين غير معجمة مع النصب . وأبو العالية:
[ ص: 271 ] قوله تعالى: ورحمتي وسعت كل شيء في هذا الكلام أربعة أقوال .
أحدها: أن مخرجه عام ومعناه خاص ، وتأويله: ورحمتي وسعت المؤمنين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، لقوله تعالى: فسأكتبها للذين يتقون ، قاله ابن عباس .
والثاني: أن هذه الرحمة على العموم في الدنيا ، والخصوص في الآخرة; وتأويلها: ورحمتي وسعت كل شيء في الدنيا ، البر والفاجر ، وفي الآخرة وفي الآخرة هي للمتقين خاصة ، قاله الحسن ، فعلى هذا ، معنى الرحمة في الدنيا للكافر أنه يرزق ويدفع عنه ، كقوله في حق قارون: وقتادة . وأحسن كما أحسن الله إليك [القصص:77] .
والثالث: أن الرحمة التوبة ، فهي على العموم ، قاله ابن زيد .
والرابع: أن الرحمة تسع كل الخلق ، إلا أن أهل الكفر خارجون منها ، فلو قدر دخولهم فيها لوسعتهم ، قاله قال ابن الأنباري . : وسعت كل شيء في الدنيا . الزجاج فسأكتبها للذين يتقون في الآخرة . قال المفسرون: معنى فسأكتبها فسأوجبها . وفي الذين يتقون قولان .
أحدهما: أنهم المتقون للشرك ، قاله والثاني: للمعاصي ، قاله ابن عباس . وفي قوله: قتادة . ويؤتون الزكاة قولان . أحدهما: أنها زكاة الأموال ، قاله الجمهور .
والثاني: أن المراد بها طاعة الله ورسوله ، قاله ابن عباس ذهبا [ ص: 272 ] إلى أنها العمل بما يزكي النفس ويطهرها . وقال والحسن ، ، ابن عباس لما نزلت وقتادة: ورحمتي وسعت كل شيء قال إبليس: أنا من ذلك الشيء ، فنزعها الله من إبليس ، فقال: فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون فقالت اليهود: نحن نتقي ، ونؤتي الزكاة ، ونؤمن بآيات ربنا ، فنزعها الله منهم ، وجعلها لهذه الأمة ، فقال: الذين يتبعون الرسول النبي الأمي . وقال نوف: قال الله تعالى لموسى: أجعل لكم الأرض طهورا ومسجدا ، وأجعل السكينة معكم في بيوتكم ، وأجعلكم تقرؤون التوراة عن ظهور قلوبكم ، يقرؤها الرجل منكم ، والمرأة ، والحر ، والعبد ، والصغير ، والكبير ، فأخبر موسى قومه بذلك ، فقالوا: لا نريد أن نصلي إلا في الكنائس والبيع ، ولا أن تكون السكينة إلا في التابوت ، ولا أن نقرأ التوراة إلا نظرا ، فقال الله تعالى: فسأكتبها للذين يتقون إلى قوله: المفلحون وفي هؤلاء المذكورين في قوله: للذين يتقون ويؤتون الزكاة إلى قوله: المفلحون قولان .
أحدهما: أنهم كل من آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وتبعه ، قاله ابن عباس .
والثاني: أنه محمد صلى الله عليه وسلم ، قاله السدي ، وفي تسميته بالأمي قولان . أحدهما: لا يكتب . والثاني: لأنه من أم القرى . وقتادة .
قوله تعالى: الذي يجدونه مكتوبا عندهم أي: يجدون نعته ونبوته .
قوله تعالى: يأمرهم بالمعروف قال : يجوز أن يكون مستأنفا ، ويجوز أن يكون الزجاج يجدونه مكتوبا عندهم أنه يأمرهم بالمعروف . قال : المعروف: مكارم الأخلاق ، وصلة الأرحام . والمنكر: عبادة الأوثان ، وقطع الأرحام . وقال ابن عباس المعروف: الإيمان ، والمنكر: الشر . وقال غيره: المعروف: الحق ، لأن العقول تعرف صحته ، والمنكر: الباطل ، لأن العقول تنكر صحته . مقاتل:
[ ص: 273 ] وفي الطيبات أربعة أقوال .
أحدها: أنها الحلال ، والمعنى: يحل لهم الحلال . والثاني: أنها ما كانت العرب تستطيبه . والثالث: أنها الشحوم المحرمة على بني إسرائيل ، والرابع: ما كانت العرب تحرمه من البحيرة ، والسائبة ، والوصيلة ، والحام .
وفي الخبائث ثلاثة أقوال .
أحدها: أنها الحرام ، والمعنى: ويحرم عليهم الحرام .
والثاني: أنها ما كانت العرب تستخبثه ولا تأكله ، كالحيات ، والحشرات .
والثالث: ما كانوا يستحلونه من الميتة ، والدم ولحم الخنزير .
قوله تعالى: ويضع عنهم إصرهم قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وعاصم ، وحمزة ، صرهم وقرأ والكسائي آصارهم ممدودة الألف على الجمع . وفي هذا الإصر قولان . ابن عامر
أحدهما: أنه العهد الذي أخذ الله على بني إسرائيل أن يعملوا بما في التوراة ، قاله ابن عباس .
والثاني: التشديد الذي كان عليهم من تحريم السبت ، وأكل الشحوم والعروق ، وغير ذلك من الأمور الشاقة ، قاله وقال قتادة . لقد كان الرجل من بني إسرائيل يذنب الذنب ، فيصبح وقد كتب على باب بيته: إن كفارته أن تنزع عينيك فينزعهما . مسروق:
قوله تعالى: والأغلال التي كانت عليهم قال : ذكر الأغلال تمثيل ، ألا ترى أنك تقول: جعلت هذا طوقا في عنقك ، وليس هناك طوق ، [ ص: 274 ] إنما جعلت لزومه كالطوق . والأغلال: أنه كان عليهم أن لا يقبل منهم في القتل دية ، وأن لا يعملوا في السبت ، وأن يقرضوا ما أصاب جلودهم من البول . الزجاج
قوله تعالى: فالذين آمنوا به يعني بمحمد صلى الله عليه وسلم وعزروه وروى أبان "وعزروه" بتخفيف الزاي . وفي المعنى قولان .
أحدهما: نصروه وأعانوه ، قاله . مقاتل
والثاني: عظموه قاله والنور الذي أنزل معه: القرآن ، سماه نورا ، لأن بيانه في القلوب كبيان النور في العيون . وفي قوله "معه" قولان . ابن قتيبة .
أحدهما: أنها بمعنى "عليه" .
والثاني: بمعنى أنزل في زمانه . قال قتادة: أما نصره ، فقد سبقتم إليه ، ولكن خيركم من آمن به واتبع النور الذي أنزل معه .
قوله تعالى: الذي يؤمن بالله وكلماته في الكلمات قولان .
أحدهما: أنها القرآن ، قاله وقال ابن عباس . كلماته: آياته . قتادة:
والثاني: أنها عيسى ابن مريم ، قاله مجاهد ، والسدي .