[ ص: 35 ] القول في تأويل قوله تعالى : 
[3 ] الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون   
" الذين يؤمنون" أي يصدقون "بالغيب" الغيب في الأصل مصدر غاب . بمعنى استتر واحتجب وخفي ، وهو بمعنى الفاعل - كالزور للزائر - أطلق عليه مبالغة ، والمراد به ما لا يقع تحت الحواس ، ولا تقتضيه بداهة العقول ، وإنما يعلم بخبر الأنبياء عليهم السلام ، والمعنى يؤمنون بما لا يتناوله حسهم . كذاته تعالى ، وملائكته ، والجنة ، والنار ، والعرش ، والكرسي ، واللوح ، ونحوها . 
" ويقيمون الصلاة" ، أي : يؤدونها بحدودها وفروضها الظاهرة والباطنة . كالخشوع والمراقبة وتدبر المتلو والمقروء . 
قال  الراغب   : إقامة الصلاة توفية حدودها ، وإدامتها . وتخصيص الإقامة تنبيه على أنه لم يرد إيقاعها فقط ، ولهذا لم يأمر بالصلاة ولم يمدح بها إلا بلفظ الإقامة نحو : أقم الصلاة  وقوله : والمقيمين الصلاة  و : الذين  [ ص: 36 ] يقيمون الصلاة  ولم يقل : المصلي ، إلا في المنافقين : فويل للمصلين  الذين هم عن صلاتهم ساهون  وذلك تنبيه على أن المصلين كثير والمقيمين لها قليل - كما قال  عمر  رضي الله عنه : الحاج قليل والركب كثير  - ولهذا قال عليه السلام : « من صلى ركعتين مقبلا بقلبه على ربه خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه »  . فذكر مع قوله : « صلى » الإقبال بقلبه على الله تنبيها على معنى الإقامة ، وبذلك عظم ثوابه ، وكثير من الأفعال التي حث تعالى على توفية حقه ، ذكره بلفظ الإقامة ، نحو : ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل  ونحو : وأقيموا الوزن بالقسط  تنبيها على المحافظة على تعديله . انتهى . 
فالإقامة من أقام العود إذا قومه . و "الصلوة" فعلة من صلى إذا دعا ، كـ "الزكوة" من زكى - وإنما كتبتا بالواو مراعاة للفظ المفخم - وإنما سمي الفعل المخصوص بها لاشتماله على الدعاء . 
" ومما رزقناهم ينفقون" أي : يؤتون مما رزقناهم من الأموال من شرع لهم إيتاؤه والإنفاق عليه من الفقراء والمساكين وذوي القربى واليتامى وأمثالهم ، على ما بين في آيات كثيرة . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					