القول في تأويل قوله تعالى:
[165]
nindex.php?page=treesubj&link=28723_29694_30483_30532_34090_34265_34308_34513_28977nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=165وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم في ما آتاكم إن ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=165وهو الذي جعلكم خلائف الأرض جمع خليفة. أي: يخلف بعضكم بعضا فيها، فتعمرونها خلفا بعد سلف، للتصرف بوجوه مختلفة.
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=165ورفع بعضكم فوق بعض درجات أي: فاوت بينكم في الأرزاق والأخلاق والمحاسن والمساوئ والمناظر والأشكال والألوان، وله الحكمة في ذلك. كقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=32نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا وقوله
[ ص: 2597 ] سبحانه:
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=21انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=165ليبلوكم في ما آتاكم أي: ليختبركم في الذي أنعم به عليكم، أي: امتحنكم، ليختبر الغني في غناه ويسأله عن شكره، والفقير في فقره ويسأله عن صبره. وفي صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم، عن
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=661933إن الدنيا حلوة خضرة. وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون. فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء. أفاده
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير.
ثم رهب تعالى من معصيته ورغب في طاعته بقوله سبحانه:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=165إن ربك سريع العقاب أي: لمن عصاه وخالف رسله:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=165وإنه لغفور رحيم أي: لمن والاه واتبع رسله.
لطائف:
الأولى: قال
السيوطي في "الإكليل". استدل بقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=165جعلكم خلائف الأرض من أجاز أن يقال للإمام: خليفة الله. انتهى.
أي: بناء على وجه في الآية. وهو أن المعنى: جعلكم خلائف الله في الأرض تتصرفون فيها. ذكره المفسرون. وآثرت، قبل، غير هذا الوجه لأنه أدق وأظهر، والله أعلم.
الثانية: قال
القاضي: وصف العقاب ولم يضفه إلى نفسه، ووصف ذاته بالمغفرة وضم إليه الوصف بالرحمة، وأتى ببناء المبالغة واللام المؤكدة - تنبيها على أنه سبحانه وتعالى غفور بالذات، معاقب بالعرض، كثير الرحمة مبالغ فيها، قليل العقوبة مسامح فيها. انتهى.
[ ص: 2598 ] الثالثة: قال
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير: إن الحق تعالى، كثيرا ما يقرن في القرآن بين هاتين الصفتين كقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=6وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم وإن ربك لشديد العقاب وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=49نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=50وأن عذابي هو العذاب الأليم إلى غير ذلك من الآيات المشتملة على الترغيب والترهيب.
فتارة يدعو عباده إليه بالرغبة وصفة الجنة والترغيب فيما لديه، وتارة يدعوهم إليه بالرهبة وذكر النار وأنكالها وعذابها والقيامة وأهوالها. وتارة بهما لينجع في كل بحسبه. جعلنا الله ممن أطاعه فيما أمر، وترك ما نهى عنه وزجر، إنه قريب مجيب.
قد تم بحمده تعالى الكلام على "محاسن تأويل" سورة الأنعام. وذلك ضحوة الأربعاء في 28 ربيع الأول. في شباك السدة اليمنى العليا من جامع السنانية عام 1321. وكان تخلل مدة شهر ونصف، وقفت عن كتابة شيء من هذه السورة فيها، وذلك من آخر البحث في قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=148سيقول الذين أشركوا الآية. لعارض رحلتي إلى
بيت المقدس في 28 محرم من العام المذكور. وبعد العود إلى الوطن في 8 ربيع الأول بدأت من قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=150قل هلم شهداءكم الآية. في 20 ربيع الأول، وتمت السورة في التاريخ المتقدم، والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. بقلم جامعه
جمال الدين القاسمي.
ويليه الجزء السابع: ويحتوي على تفسير سور:
7 - الأعراف. 8 - الأنفال. 9 - التوبة.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى:
[165]
nindex.php?page=treesubj&link=28723_29694_30483_30532_34090_34265_34308_34513_28977nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=165وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=165وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ جَمْعُ خَلِيفَةٍ. أَيْ: يَخْلُفُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فِيهَا، فَتُعَمِّرُونَهَا خَلَفًا بَعْدَ سَلَفٍ، لِلتَّصَرُّفِ بِوُجُوهٍ مُخْتَلِفَةٍ.
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=165وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ أَيْ: فَاوَتَ بَيْنَكُمْ فِي الْأَرْزَاقِ وَالْأَخْلَاقِ وَالْمَحَاسِنِ وَالْمَسَاوِئِ وَالْمَنَاظِرِ وَالْأَشْكَالِ وَالْأَلْوَانِ، وَلَهُ الْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ. كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=32نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَقَوْلِهِ
[ ص: 2597 ] سُبْحَانَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=21انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلا وَقَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=165لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ أَيْ: لِيَخْتَبِرَكُمْ فِي الَّذِي أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْكُمْ، أَيِ: امْتَحَنَكُمْ، لِيَخْتَبِرَ الْغَنِيَّ فِي غِنَاهُ وَيَسْأَلَهُ عَنْ شُكْرِهِ، وَالْفَقِيرَ فِي فَقْرِهِ وَيَسْأَلَهُ عَنْ صَبْرِهِ. وَفِي صَحِيحِ
nindex.php?page=showalam&ids=17080مُسْلِمٍ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=44أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=661933إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ. وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَنَاظِرٌ كَيْفَ تَعْمَلُونَ. فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ، فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ. أَفَادَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابْنُ كَثِيرٍ.
ثُمَّ رَهَّبَ تَعَالَى مِنْ مَعْصِيَتِهِ وَرَغَّبَ فِي طَاعَتِهِ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=165إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ أَيْ: لِمَنْ عَصَاهُ وَخَالَفَ رُسُلَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=165وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ أَيْ: لِمَنْ وَالَاهُ وَاتَّبَعَ رُسُلَهُ.
لَطَائِفُ:
الْأُولَى: قَالَ
السُّيُوطِيُّ فِي "الْإِكْلِيلِ". اسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=165جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ مَنْ أَجَازَ أَنْ يُقَالَ لِلْإِمَامِ: خَلِيفَةُ اللَّهِ. انْتَهَى.
أَيْ: بِنَاءً عَلَى وَجْهٍ فِي الْآيَةِ. وَهُوَ أَنَّ الْمَعْنَى: جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ تَتَصَرَّفُونَ فِيهَا. ذَكَرَهُ الْمُفَسِّرُونَ. وَآثَرْتُ، قَبْلُ، غَيْرَ هَذَا الْوَجْهِ لِأَنَّهُ أَدَقُّ وَأَظْهَرُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الثَّانِيَةُ: قَالَ
الْقَاضِي: وَصَفَ الْعِقَابَ وَلَمْ يُضِفْهُ إِلَى نَفْسِهِ، وَوَصَفَ ذَاتَهُ بِالْمَغْفِرَةِ وَضَمَّ إِلَيْهِ الْوَصْفَ بِالرَّحْمَةِ، وَأَتَى بِبِنَاءِ الْمُبَالَغَةِ وَاللَّامِ الْمُؤَكِّدَةِ - تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى غَفُورٌ بِالذَّاتِ، مُعَاقِبٌ بِالْعَرَضِ، كَثِيرُ الرَّحْمَةِ مُبَالِغٌ فِيهَا، قَلِيلُ الْعُقُوبَةِ مُسَامِحٌ فِيهَا. انْتَهَى.
[ ص: 2598 ] الثَّالِثَةُ: قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابْنُ كَثِيرٍ: إِنَّ الْحَقَّ تَعَالَى، كَثِيرًا مَا يَقْرِنُ فِي الْقُرْآنِ بَيْنَ هَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ كَقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=6وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ وَقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=49نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=50وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ.
فَتَارَةً يَدْعُو عِبَادُهُ إِلَيْهِ بِالرَّغْبَةِ وَصِفَةِ الْجَنَّةِ وَالتَّرْغِيبِ فِيمَا لَدَيْهِ، وَتَارَةً يَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ بِالرَّهْبَةِ وَذِكْرِ النَّارِ وَأَنْكَالِهَا وَعَذَابِهَا وَالْقِيَامَةِ وَأَهْوَالِهَا. وَتَارَةً بِهِمَا لِيَنْجَعَ فِي كُلٍّ بِحَسَبِهِ. جَعَلَنَا اللَّهُ مِمَّنْ أَطَاعَهُ فِيمَا أَمَرَ، وَتَرَكَ مَا نَهَى عَنْهُ وَزَجَرَ، إِنَّهُ قَرِيبٌ مُجِيبٌ.
قَدْ تَمَّ بِحَمْدِهِ تَعَالَى الْكَلَامُ عَلَى "مَحَاسِنَ تَأْوِيلِ" سُورَةِ الْأَنْعَامِ. وَذَلِكَ ضَحْوَةَ الْأَرْبِعَاءَ فِي 28 رَبِيعٍ الْأَوَّلِ. فِي شُبَّاكِ السُّدَّةِ الْيُمْنَى الْعُلْيَا مِنْ جَامِعِ السَّنَانِيَّةِ عَامَ 1321. وَكَانَ تَخَلَّلَ مُدَّةَ شَهْرٍ وَنِصْفٍ، وَقَفْتُ عَنْ كِتَابَةِ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ فِيهَا، وَذَلِكَ مِنْ آخِرِ الْبَحْثِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=148سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا الْآيَةَ. لِعَارِضِ رِحْلَتِي إِلَى
بَيْتِ الْمَقْدِسِ فِي 28 مَحْرَمٍ مِنَ الْعَامِ الْمَذْكُورِ. وَبَعْدَ الْعَوْدِ إِلَى الْوَطَنِ فِي 8 رَبِيعٍ الْأَوَّلِ بَدَأْتُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=150قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الْآيَةَ. فِي 20 رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَتَمَّتِ السُّورَةُ فِي التَّارِيخِ الْمُتَقَدِّمِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ. بِقَلَمِ جَامِعِهِ
جَمَالِ الدِّينِ الْقَاسِمِيِّ.
وَيَلِيهِ الْجُزْءُ السَّابِعُ: وَيَحْتَوِي عَلَى تَفْسِيرِ سُوَرِ:
7 - الْأَعْرَافِ. 8 - الْأَنْفَالِ. 9 - التَّوْبَةِ.