القول في تأويل قوله تعالى:
[99] أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون
أفأمنوا مكر الله " وهو أخذه العبد من حيث لا يحتسب فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون " أي لا يأمن أحد أخذه تعالى العبد من حيث لا يشعر، مع كثرة ما رأى من أخذه العباد من حيث لا يحتسبون، إلا القوم الذي خسروا عقولهم، وأضاعوا فطرة الله التي فطر الناس عليها، الاستعداد القريب المستفاد من النظر في الآيات، فصاروا خاسرين إنسانيتهم، بل أخس من البهائم، وفي قوله تعالى: أفأمنوا مكر الله " تكرير للنكير في قوله: أفأمن أهل القرى " لزيادة التقرير.
قال : فعلى العاقل أن يكون في خوف من مكر الله، كالمحارب الذي يخاف من عدوه الكمين، والبيات، والغيلة. وعن الزمخشري أن ابنته قالت: ما لي أرى الناس ينامون ولا أراك تنام؟ فقال: يا بنتاه إن أباك يخاف البيات . أراد قوله الربيع بن خثيم أن يأتيهم بأسنا بياتا " . انتهى.
وقال : المؤمن يعمل بالطاعات وهو مشفق وجل خائف، والفاجر يعمل بالمعاصي وهو آمن. الحسن البصري
تنبيه:
عند الشافعية، وهو الاسترسال في المعاصي، اتكالا على عفو الله -كما في جمع الجوامع-. الأمن من مكر الله كبيرة
[ ص: 2827 ] وقال الحنفية: إنه كفر كاليأس، لقوله تعالى: إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون
واستدل الشافعية بحديث رضي الله عنه، ابن مسعود ( من الكبائر الأمن من مكر الله) . وما ورد أنه كفر محمول على التغليظ كذا في العناية.
وروى ابن أبي حاتم عن والبزار رضي الله عنهما ابن عباس . قال بعضهم: والأشبه أن يكون موقوفا. أنه صلى الله عليه وسلم سئل: « ما الكبائر؟ فقال: الشرك بالله، والإياس من روح الله، والأمن من مكر الله »
قال ابن حجر : وبكونه أكبر الكبائر، صرح : كما رواه عنه ابن مسعود عبد الرزاق . والطبراني
قال الكمال بن أبي شريف : عطفهما -يعني الإياس والأمن - في الحديث على (الإشراك بالله)، المحمول على مطلق الكفر، ظاهر في أنهما غير الكفر.
وقال أيضا: مراد الشافعية بكونه كبيرة، أن من غلب عليه الرجاء غلبة دخل بها في حد الآمن من المكر، كمن استبعد العفو عن ذنوبه لعظمها استبعادا دخل به في حد اليائس. وأما من كان أمنه لاعتقاد أن لا مكر، كمن كان يأسه لإنكار سعة الرحمة ذنوبه، فينبغي أن يكون كل منهما كافرا عند الشافعية أيضا، ويحمل عليه نص القرآن -انتهى.