الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      القول في تأويل قوله تعالى:

                                                                                                                                                                                                                                      [169] فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق ودرسوا ما فيه والدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون

                                                                                                                                                                                                                                      " فخلف من بعدهم أي من بعد هؤلاء المذكورين " خلف أي بدل سوء، والمراد بهم الذين كانوا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم. و(الخلف) مصدر، ولذا يوصف به المفرد وغيره، وقد شاع في الطالح، ومفتوح اللام ب(الصالح)، وربما جاء عكسه. " ورثوا الكتاب أي التوراة من أسلافهم المختلفين، يقرؤونها ويقفون على ما فيها من الأوامر والنواهي، والتحليل والتحريم، ولا يعملون بها كما قال يأخذون عرض هذا الأدنى أي حطام هذا الشيء الأدنى، يريد الدنيا، وما يتمتع به منها.

                                                                                                                                                                                                                                      وفي قوله " هذا الأدنى تخسيس وتحقير. و (العرض) بفتح الراء، ما لا ثبات له، ومنه استعار المتكلمون (العرض) لمقابل (الجوهر).

                                                                                                                                                                                                                                      و (الأدنى) إما من الدنو، بمعنى القرب، لأنه عاجل قريب بالنسبة إلى الآخرة، وإما من دنو الحال وسقوطها وقلتها " ويقولون سيغفر لنا أي يعتاضون عن بذل الحق ونشره، بعرض الحياة الدنيا، ويتحكمون على الله تعالى بأنه لا يؤاخذهم بما أخذوا. " وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه الواو للحال، أي يرجون المغفرة، وهم مصرون [ ص: 2895 ] عائدون إلى مثل فعلهم، غير تائبين، كلما لاح لهم مثل الأول أخذوه. " ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أي الميثاق الوارد فيه، " أن لا يقولوا على الله إلا الحق أي: فلو صح ما تحكموا به على الله، لم يكن لأخذ هذا الميثاق معنى.

                                                                                                                                                                                                                                      ثم أخبر تعالى أن أخذهم ليس عن جهلهم بذلك الميثاق بقوله: " ودرسوا ما فيه أي قرؤوا ما في الكتاب من الميثاق مرة بعد مرة. " والدار الآخرة خير أي من ذلك العرض الخسيس " للذين يتقون أي أخذ هذا الأدنى بدل كتم الحق. " أفلا تعقلون أي فتعلموا ذلك، فلا تستبدلوا الأدنى المؤدي إلى العقاب، بالنعيم المخلد، وقرئ بالياء، وفي الالتفات تشديد للتوبيخ.

                                                                                                                                                                                                                                      ثم أثنى تعالى على من تمسك بكتابه الذي يقوده إلى اتباع رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، كما هو مكتوب فيه، بقوله سبحانه:

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية