[ 36 ] إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون .
إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون [ ص: 2993 ] نزلت فيمن ينفق على حرب النبي صلى الله عليه وسلم من المشركين ، وبيان سوء مغبة هذا الإنفاق ، وقد ذهب إلى أنه عني بها المطعمون منهم يوم الضحاك بدر ، وكانوا اثني عشر رجلا من قريش ، يطعم كل واحد منهم ، كل يوم عشرة جزر .
وروي عن مجاهد وسعيد بن جبير وغيرهم أنها نزلت في وقتادة ، ونفقته الأموال في أبي سفيان ( أحد ) لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم .
روى عن محمد بن إسحاق أنه لما أصيبت الزهري قريش يوم بدر ورجع فلهم إلى مكة ، ورجع بعيره ، مشى رجال من أبو سفيان قريش أصيب آباؤهم وأبناؤهم وإخوانهم ببدر ، فكلموا ، ومن كانت له في تلك العير تجارة ، فقالوا : يا معشر أبا سفيان قريش إن محمدا قد وتركم ، وقتل خياركم ، فأعينونا بهذا المال على حربه ، لعلنا أن ندرك منه ثأرا بمن أصيب منا ، ففعلوا . قال : ففيهم ـ كما ذكر عن ـ أنزلت الآية . ولا يخفى شمول الآية لجميع ذلك . ابن عباس
واللام في ليصدوا لام الصيرورة ويصح أن تكون للتعليل ، لأن غرضهم الصد عما هو سبيل الله بحسب الواقع ، وإن لم يكن كذلك في اعتقادهم .
وسبيل الله طريقه وهو دينه ، واتباع رسوله ، ولما تضمن الموصول معنى الشرط ، والخبر بمنزلة الجزاء ، وهو : فسينفقونها اقترن بالفاء ( ينفقون ) إما حال ، أو بدل من : ( كفروا ) وفي تضمن الجزاء من معنى الإعلام والإخبار ، التوبيخ على الإنفاق ، والإنكار عليه ، كما في قوله : وما بكم من نعمة فمن الله
وفي تكرير الإنفاق في شبه الشرط والجزاء ، الدلالة على كمال سوء الإنفاق ، كما في قوله : إنك من تدخل النار فقد أخزيته وقولهم : من أدرك الصمان فقد أدرك المرعى ، والمعنى : الذين ينفقون أموالهم لإطفاء نور الله ، والصد عن اتباع رسوله صلى الله عليه وسلم ، سيعلمون عن قريب سوء [ ص: 2994 ] مغبة ذلك الإنفاق ، وانقلابه إلى أشد الخسران ، من القتل والأسر في الدنيا ، والنكال في العقبى : قال : المتنبي
إذا الجود لم يرزق خلاصا من الأذى فلا الحمد مكسوبا ولا المال باقيا
( والأذى هنا المن )
وفي جعل ذات الأموال تصير : حسرة أي : ندما وتأسفا - وهي عاقبة أمرها - مبالغة .
والمراد بالغلبة في قوله : ثم يغلبون الغلبة التي استقر عليها الأمر ، وإن كانت الحرب بينهم سجالا قبل ذلك . فإن قلت : غلبة المسلمين متقدمة على تحسرهم ، بالزمان ، فلم أخرت بالذكر ؟
قلت : المراد أنهم يغلبون في مواطن أخر بعد ذلك . كذا في ( " العناية " ) .
تنبيه :
قال بعضهم: ثمرة الآية خطر ، وأن الإنفاق في ذلك معصية ، فيدخل في هذا معاونة الظلمة على حركاتهم في البغي والظلم ، وكذلك بيع السلاح والكراع ، ممن يستعين بذلك على حرب المسلمين . المعاونة على معصية الله تعالى
والذين كفروا إلى جهنم يحشرون