القول في تأويل قوله تعالى :
[ 30 ]
nindex.php?page=treesubj&link=19059_29706_31931_31951_32416_32429_28980nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=30وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون .
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=30وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله جملة مبتدأة ، سيقت لتقرير ما مر من عدم إيمان أهل الكتابين بالله سبحانه ، وانتظامهم بذلك في سلك المشركين .
وقرئ ( عزير ) بالتنوين على الأصل ، وحذفه لالتقاء الساكنين على غير القياس تخفيفا ، وهو مبتدأ وما بعده خبره ، ولهم أوجه أخرى في إعرابه ، والوجه ما ذكرناه .
وليعلم أن الذي دعا الفريقين إلى مقاليهما هو الغلو في التعظيم ، فأما اعتقاد النصارى فهو مشهور معلوم ، تكفل التنزيل الكريم بذكره مرارا ، ودحر شبهه .
وأما
nindex.php?page=treesubj&link=29434اليهود في ( عزير ) فغلاتهم أوجهلتهم يتفوهون بهذه الكلمة الشنعاء ، وأما بقيتهم فيعتبرونه في مقام
موسى ، ويحترمون دائما ذكره ، ويعتقدون أن الله تعالى قد أقامه لجمع التوراة المبددة ، ولتجديد الملة الموسوية ، وإرجاعها إلى عهدها ، وإصلاح ما فسد من آدابها وعوائدها ، بإلهام ،
[ ص: 3121 ] فإن نسخة التوراة الأصلية ، وبقية أسفارهم فقدت لما أغار أهل
بابل جند
بخت نصر على
بيت المقدس ، وهدموه ، وسبوا أهله إلى مملكتهم
بابل ، وأقاموا هناك سبعين سنة ، ثم لما نبغ فيهم ( عزير ) واشتهر ، واستعطف أحد ملوكهم في سراحهم ، فأطلق له الملك الإجازة ، فعاد من
بابل بمن بقي من اليهود إلى
بيت المقدس ، وجدد ما اندثر من الشريعة الموسوية .
قال بعض الكتابيين في قاموس له : زعم اليهود أن أئمتهم عقدوا مجمعا في عهد ( عزرا ) وجمعوا الأسفار العبرانية في قانون متعارف عندهم اليوم ، وضموا إليه ما لم يكن من قبل جلاء
بابل .
وفي ( " الذخيرة " ) من كتبهم ما نصه : أجمع القوم على أن ( عزرا ) الذي كان خبيرا بآثار وطنه وقدمها ، وماهرا بمعرفة الطقوس اليهودية ، وبارعا بالعلوم المقدسة ، هو أول من قرر هذا القانون ، وأثبت أجزاءه المختلفة ، بعد الأسر البابلي في نحو السنة 542 قبل ميلاد
المسيح ، ولما تفرقت التوراة آن الجلاء ، قام ( عزرا ) وجمع ما وجد من النسخ المتناثرة ، وألف منها نسخة صححها ونقحها ما استطاع ، وبدل أسماء الأماكن التي انتسخ ثم استعمالها ، بأسماء أخرى أشهر في عرفهم ، ونسق الكل نسقا محكما ، واتفق الجميع على أنه اعتاض في كل الأسفار عن حروف الخط العبراني بحروف كلدانية ، ألف استعمالها اليهود مدة أسرهم الذي استمر سبعين سنة . انتهى .
فلهذا العمل المهم عندهم دعوه : ( ابنا ) . وفيه من الجراءة على المقام الرباني ما فيه . ولو زعموا إرادة المجاز في ذلك ، فلا مناص لهم من لحوق الكفر بهم ، فإنه يجب الاحتياط في تنزيهه تعالى ، حتى بعفة اللسان ، عن النطق بما يوهم نقصا في جانبه ، فيتبرأ من مثل هذا اللفظ مطلقا ومن كل ما شاكله .
هذا وقد قيل إن القائل لذلك بعض من متقدميهم ، وقيل ناس من أهل
المدينة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا دلالة في الآية على واحد منهما بخصوصه ، ونسبة الشيء القبيح إذا صدر من بعض القوم إلى الكل ، مما شاع .
[ ص: 3122 ] لطيفة :
قرئ ( عزير ) بالتنوين على الأصل ، لأنه منصرف ، وقرئ بحذفه لالتقاء الساكنين على غير القياس ، لا لأنه أعجمي غير منصرف للعلمية والعجمية ، كما قيل ، لأن ذلك إنما يصح لو كان على لفظه الأصلي ، وهو ( عزراء ) أو ( عزريا ) لفظان عبرانيان ، معنى الأول معين ، والثاني الله مساعد ، أما وقد تصرفت فيه العرب بالتصغير ، فلا .
وظاهر أن أغلب الأسماء القديمة ، لانتقالها من أمة إلى أخرى وكثرة تداولها ، تطرق إليها من شوائب التحريف ، والزيادة والنقصان ، ما غير صيغتها الأصلية بعض التغيير ولما استعملت
العرب من الأسماء العبرانية ونحوها ما أدخلته إلى لغتها ، إما منحوتة من القديمة ، أو محرفة منها ، أصبحت بالاصطلاح من قبيل الأعلام العربية ، إلا ما بقي على وضعه الأول .
وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=30ذلك إشارة إلى ما صدر عنهم من العظيمتين ، وما فيه من معنى البعد ، للدلالة على بعد درجة المشار إليه في الشناعة والفظاعة . قاله
أبو السعود .
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=30قولهم بأفواههم قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : فإن قلت : كل قول يقال بالفم ، فما معنى ( بأفواههم ) قلت فيه وجهان :
أحدهما : أن يراد به أنه قول لا يعضده برهان ، فما هو إلا لفظ يفوهون به ، فارغ من معنى تحته ، كالألفاظ المهملة التي هي أجراس ونغم ، لا تدل على معان .
وذلك أن القول الدال على معنى لفظه مقول بالفم ، ومعناه مؤثر في القلب ، وما لا معنى له مقول بالفم لا غير .
والثاني : أن يراد بالقول المذهب ، كقولهم : ( قول
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة ) ، يريدون مذهبه ، وما يقول به ، كأنه قيل : ذلك مذهبهم ودينهم بأفواههم ، لا بقلوبهم ، لأنه لا حجة معه ولا شبهة ، حتى يؤثر في القلوب .
وذلك أنهم إذا اعترفوا أنه لا صاحبة له ، لم تبق شبهة في انتفاء الولد . انتهى .
وثمة وجه ثالث شائع في مثله ، وهو التأكيد لنسبة هذا القول إليهم ، مع التعجيب
[ ص: 3123 ] من تصريحهم بتلك المقالة الفاسدة .
قال بعضهم : القول قد ينسب إلى الأفواه وإلى الألسنة ، والأول أبلغ .
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=30يضاهئون قول الذين كفروا من قبل أي : يضاهئ قولهم قول الذين كفروا من قبلهم من الأمم ، فضلوا كما ضل أولئك .
قيل : المراد بـ : ( الذين كفروا ) مشركوا
مكة ، القائلون بأن الملائكة بنات الله ، وهذا يتم إن أريد ( باليهود والنصارى ) في الآية ، يهود
المدينة ونصارى
نجران في عهده صلى الله عليه وسلم ، وهو وجه في الآية كما تقدم ، فإنهم سبقوا من أهل
مكة بالكفر به صلى الله عليه وسلم .
وقيل : المراد بهم قدماؤهم ، يعني أن من كان في زمنه صلى الله عليه وسلم منهم ، يضاهئ قولهم قول قدمائهم ، والمراد عراقتهم في الكفر ، أي : أنه كفر قديم فيهم غير مستحدث .
قال
أبو السعود : وفيه أنه لا تعدد في القول ، حتى يتأتى التشبيه ، وجعله بين قولي الفريقين ، مع اتحاد المقول ، ليس فيه مزيد مزية .
وقيل : الضمير للنصارى ، أي : يضاهئ قولهم :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=30المسيح ابن الله قول اليهود
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=30عزير إلخ لأنهم أقدم منهم .
قال
أبو السعود : وهو أيضا كما ترى ، فإنه يستدعي اختصاص الرد والإبطال بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=30ذلك قولهم بأفواههم بقول النصارى . انتهى .
والمضاهاة المشابهة ، يقال : ضاهيت ، وضاهأت - كما قاله
الجوهري - وقراءة العامة ( يضاهون ) ، بهاء مضمومة بعدها واو .
وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16273عاصم بهاء مكسورة بعدها همزة مضمومة ، وهما بمعنى من المضاهأة ، وهي المشابهة ، وهما لغتان .
وقيل : الياء فرع عن الهمزة ، كما قالوا : قريت وتوضيت وأخطيت .
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=30قاتلهم الله أي : لعنهم أو قتلهم ، أو عاداهم أو تعجب من شناعة قولهم .
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=30أنى يؤفكون أي : كيف يصرفون عن الحق إلى الباطل .
وقوله تعالى :
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :
[ 30 ]
nindex.php?page=treesubj&link=19059_29706_31931_31951_32416_32429_28980nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=30وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ .
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=30وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ جُمْلَةٌ مُبْتَدَأَةٌ ، سِيقَتْ لِتَقْرِيرِ مَا مَرَّ مِنْ عَدَمِ إِيمَانِ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ بِاللَّهِ سُبْحَانَهُ ، وَانْتِظَامِهِمْ بِذَلِكَ فِي سَلْكِ الْمُشْرِكِينَ .
وَقُرِئَ ( عُزَيْرٌ ) بِالتَّنْوِينِ عَلَى الْأَصْلِ ، وَحَذْفُهُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ عَلَى غَيْرِ الْقِيَاسِ تَخْفِيفًا ، وَهُوَ مُبْتَدَأٌ وَمَا بَعْدَهُ خَبَرُهُ ، وَلَهُمْ أَوْجُهٌ أُخْرَى فِي إِعْرَابِهِ ، وَالْوَجْهُ مَا ذَكَرْنَاهُ .
وَلِيَعْلَمَ أَنَّ الَّذِي دَعَا الْفَرِيقَيْنِ إِلَى مَقَالَيْهِمَا هُوَ الْغُلُوُّ فِي التَّعْظِيمِ ، فَأَمَّا اعْتِقَادُ النَّصَارَى فَهُوَ مَشْهُورٌ مَعْلُومٌ ، تَكَفَّلَ التَّنْزِيلُ الْكَرِيمُ بِذِكْرِهِ مِرَارًا ، وَدَحْرِ شَبَهِهِ .
وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=29434الْيَهُودُ فِي ( عُزَيْرٍ ) فَغُلَاتُهُمْ أَوَجَهَلَتُهُمْ يَتَفَوَّهُونَ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ الشَّنْعَاءِ ، وَأَمَّا بَقِيَّتُهُمْ فَيَعْتَبِرُونَهُ فِي مَقَامِ
مُوسَى ، وَيَحْتَرِمُونَ دَائِمًا ذِكْرُهُ ، وَيَعْتَقِدُونَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَقَامَهُ لِجَمْعِ التَّوْرَاةِ الْمُبَدَّدَةِ ، وَلِتَجْدِيدِ الْمِلَّةِ الْمُوسَوِيَّةِ ، وَإِرْجَاعِهَا إِلَى عَهْدِهَا ، وَإِصْلَاحِ مَا فَسَدَ مِنْ آدَابِهَا وَعَوَائِدِهَا ، بِإِلْهَامِ ،
[ ص: 3121 ] فَإِنَّ نُسْخَةَ التَّوْرَاةِ الْأَصْلِيَّةَ ، وَبَقِيَّةَ أَسْفَارِهِمْ فُقِدَتْ لَمَّا أَغَارَ أَهْلُ
بَابِلَ جُنْدُ
بُخْتُ نَصَّرَ عَلَى
بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، وَهَدَمُوهُ ، وَسَبَوْا أَهْلَهُ إِلَى مَمْلَكَتِهِمْ
بَابِلَ ، وَأَقَامُوا هُنَاكَ سَبْعِينَ سَنَةً ، ثُمَّ لَمَّا نَبَغَ فِيهِمْ ( عُزَيْرٌ ) وَاشْتُهِرَ ، وَاسْتَعْطَفَ أَحَدَ مُلُوكِهِمْ فِي سَرَاحِهِمْ ، فَأَطْلَقَ لَهُ الْمَلِكُ الْإِجَازَةَ ، فَعَادَ مِنْ
بَابِلَ بِمَنْ بَقِيَ مِنَ الْيَهُودِ إِلَى
بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، وَجَدَّدَ مَا انْدَثَرَ مِنَ الشَّرِيعَةِ الْمُوسَوِيَّةِ .
قَالَ بَعْضُ الْكِتَابِيِّينَ فِي قَامُوسٍ لَهُ : زَعَمَ الْيَهُودُ أَنَّ أَئِمَّتَهُمْ عَقَدُوا مَجْمَعًا فِي عَهْدِ ( عِزْرَا ) وَجَمَعُوا الْأَسْفَارَ الْعِبْرَانِيَّةَ فِي قَانُونٍ مُتَعَارَفٍ عِنْدَهُمُ الْيَوْمَ ، وَضَمُّوا إِلَيْهِ مَا لَمْ يَكُنْ مِنْ قَبْلِ جَلَاءِ
بَابِلَ .
وَفِي ( " الذَّخِيرَةِ " ) مِنْ كُتُبِهِمْ مَا نَصُّهُ : أَجْمَعَ الْقَوْمُ عَلَى أَنَّ ( عِزْرَا ) الَّذِي كَانَ خَبِيرًا بِآثَارِ وَطَنِهِ وَقِدَمِهَا ، وَمَاهِرًا بِمَعْرِفَةِ الطُّقُوسِ الْيَهُودِيَّةِ ، وَبَارِعًا بِالْعُلُومِ الْمُقَدَّسَةِ ، هُوَ أَوَّلُ مَنْ قَرَّرَ هَذَا الْقَانُونَ ، وَأَثْبَتَ أَجْزَاءَهُ الْمُخْتَلِفَةَ ، بَعْدَ الْأَسْرِ الْبَابِلِيِّ فِي نَحْوِ السَّنَةِ 542 قَبْلَ مِيلَادِ
الْمَسِيحِ ، وَلَمَّا تَفَرَّقَتِ التَّوْرَاةُ آنَ الْجَلَاءِ ، قَامَ ( عِزْرَا ) وَجَمَعَ مَا وُجِدَ مِنَ النُّسَخِ الْمُتَنَاثِرَةِ ، وَأَلَّفَ مِنْهَا نُسْخَةً صَحَّحَهَا وَنَقَّحَهَا مَا اسْتَطَاعَ ، وَبَدَّلَ أَسْمَاءَ الْأَمَاكِنِ الَّتِي انْتَسَخَ ثَمَّ اسْتِعْمَالُهَا ، بِأَسْمَاءٍ أُخْرَى أَشْهَرَ فِي عُرْفِهِمْ ، وَنَسَّقَ الْكُلَّ نَسَقًا مُحْكَمًا ، وَاتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَى أَنَّهُ اعْتَاضَ فِي كُلِّ الْأَسْفَارِ عَنْ حُرُوفِ الْخَطِّ الْعِبْرَانِيِّ بِحُرُوفٍ كَلْدَانِيَّةٍ ، أَلِفَ اسْتِعْمَالَهَا الْيَهُودُ مُدَّةَ أَسْرِهِمُ الَّذِي اسْتَمَرَّ سَبْعِينَ سَنَةً . انْتَهَى .
فَلِهَذَا الْعَمَلِ الْمُهِمِّ عِنْدَهُمْ دَعَوْهُ : ( ابْنًا ) . وَفِيهِ مِنَ الْجَرَاءَةِ عَلَى الْمَقَامِ الرَّبَّانِيِّ مَا فِيهِ . وَلَوْ زَعَمُوا إِرَادَةَ الْمَجَازِ فِي ذَلِكَ ، فَلَا مَنَاصَ لَهُمْ مِنْ لُحُوقِ الْكُفْرِ بِهِمْ ، فَإِنَّهُ يَجِبُ الِاحْتِيَاطِ فِي تَنْزِيهِهِ تَعَالَى ، حَتَّى بِعِفَّةِ اللِّسَانِ ، عَنِ النُّطْقِ بِمَا يُوهِمُ نَقْصًا فِي جَانِبِهِ ، فَيَتَبَرَّأُ مِنْ مِثْلِ هَذَا اللَّفْظِ مُطْلَقًا وَمِنْ كُلِّ مَا شَاكَلَهُ .
هَذَا وَقَدْ قِيلَ إِنَّ الْقَائِلَ لِذَلِكَ بَعْضٌ مِنْ مُتَقَدِّمِيهِمْ ، وَقِيلَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ
الْمَدِينَةِ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا دَلَالَةَ فِي الْآيَةِ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِخُصُوصِهِ ، وَنِسْبَةُ الشَّيْءِ الْقَبِيحِ إِذَا صَدَرَ مِنْ بَعْضِ الْقَوْمِ إِلَى الْكُلِّ ، مِمَّا شَاعَ .
[ ص: 3122 ] لَطِيفَةٌ :
قُرِئَ ( عُزَيْرٌ ) بِالتَّنْوِينِ عَلَى الْأَصْلِ ، لِأَنَّهُ مُنْصَرِفٌ ، وَقُرِئَ بِحَذْفِهِ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ عَلَى غَيْرِ الْقِيَاسِ ، لَا لِأَنَّهُ أَعْجَمِيٌّ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ لِلْعَلَمِيَّةِ وَالْعَجَمِيَّةِ ، كَمَا قِيلَ ، لِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يَصِحُّ لَوْ كَانَ عَلَى لَفْظِهِ الْأَصْلِيِّ ، وَهُوَ ( عزراء ) أَوْ ( عزريا ) لَفْظَانِ عِبْرَانِيَّانِ ، مَعْنَى الْأَوَّلِ مُعَيَّنٌ ، وَالثَّانِي اللَّهُ مُسَاعِدٌ ، أَمَا وَقَدْ تَصَرَّفَتْ فِيهِ الْعَرَبُ بِالتَّصْغِيرِ ، فَلَا .
وَظَاهِرُ أَنَّ أَغْلَبَ الْأَسْمَاءِ الْقَدِيمَةِ ، لِانْتِقَالِهَا مِنْ أُمَّةٍ إِلَى أُخْرَى وَكَثْرَةِ تَدَاوُلِهَا ، تَطَرَّقَ إِلَيْهَا مِنْ شَوَائِبِ التَّحْرِيفِ ، وَالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ ، مَا غَيَّرَ صِيغَتَهَا الْأَصْلِيَّةَ بَعْضَ التَّغْيِيرِ وَلَمَّا اسْتَعْمَلَتِ
الْعَرَبُ مِنَ الْأَسْمَاءِ الْعِبْرَانِيَّةِ وَنَحْوِهَا مَا أَدْخَلَتْهُ إِلَى لُغَتِهَا ، إِمَّا مَنْحُوتَةً مِنَ الْقَدِيمَةِ ، أَوْ مُحَرَّفَةً مِنْهَا ، أَصْبَحَتْ بِالِاصْطِلَاحِ مِنْ قَبِيلِ الْأَعْلَامِ الْعَرَبِيَّةِ ، إِلَّا مَا بَقِيَ عَلَى وَضْعِهِ الْأَوَّلِ .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=30ذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى مَا صَدَرَ عَنْهُمْ مِنَ الْعَظِيمَتَيْنِ ، وَمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْبُعْدِ ، لِلدَّلَالَةِ عَلَى بُعْدِ دَرَجَةِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ فِي الشَّنَاعَةِ وَالْفَظَاعَةِ . قَالَهُ
أَبُو السُّعُودِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=30قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : فَإِنْ قُلْتَ : كُلُّ قَوْلٍ يُقَالُ بِالْفَمِ ، فَمَا مَعْنَى ( بِأَفْوَاهِهِمْ ) قُلْتُ فِيهِ وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنْ يُرَادَ بِهِ أَنَّهُ قَوْلٌ لَا يُعَضِّدُهُ بِرِهَانٌ ، فَمَا هُوَ إِلَّا لَفْظٌ يُفَوَّهُونَ بِهِ ، فَارِغٌ مِنْ مَعْنًى تَحْتَهُ ، كَالْأَلْفَاظِ الْمُهْمَلَةِ الَّتِي هِيَ أَجْرَاسٌ وَنَغَمٌ ، لَا تَدُلُّ عَلَى مَعَانٍ .
وَذَلِكَ أَنَّ الْقَوْلَ الدَّالَّ عَلَى مَعْنًى لَفْظُهُ مَقُولٌ بِالْفَمِ ، وَمَعْنَاهُ مُؤَثِّرٌ فِي الْقَلْبِ ، وَمَا لَا مَعْنَى لَهُ مَقُولٌ بِالْفَمِ لَا غَيْرَ .
وَالثَّانِي : أَنْ يُرَادَ بِالْقَوْلِ الْمَذْهَبُ ، كَقَوْلِهِمْ : ( قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ ) ، يُرِيدُونَ مَذْهَبَهُ ، وَمَا يَقُولُ بِهِ ، كَأَنَّهُ قِيلَ : ذَلِكَ مَذْهَبُهُمْ وَدِينُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ ، لَا بِقُلُوبِهِمْ ، لِأَنَّهُ لَا حُجَّةَ مَعَهُ وَلَا شُبْهَةَ ، حَتَّى يُؤَثِّرَ فِي الْقُلُوبِ .
وَذَلِكَ أَنَّهُمْ إِذَا اعْتَرَفُوا أَنَّهُ لَا صَاحِبَةَ لَهُ ، لَمْ تَبْقَ شُبْهَةٌ فِي انْتِفَاءِ الْوَلَدِ . انْتَهَى .
وَثَمَّةَ وَجْهٌ ثَالِثٌ شَائِعٌ فِي مِثْلِهِ ، وَهُوَ التَّأْكِيدُ لِنِسْبَةِ هَذَا الْقَوْلِ إِلَيْهِمْ ، مَعَ التَّعْجِيبِ
[ ص: 3123 ] مِنْ تَصْرِيحِهِمْ بِتِلْكَ الْمَقَالَةِ الْفَاسِدَةِ .
قَالَ بَعْضُهُمُ : الْقَوْلُ قَدْ يُنْسَبُ إِلَى الْأَفْوَاهِ وَإِلَى الْأَلْسِنَةِ ، وَالْأَوَّلُ أَبْلَغُ .
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=30يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ أَيْ : يُضَاهِئُ قَوْلُهُمْ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْأُمَمِ ، فَضَلُّوا كَمَا ضَلَّ أُولَئِكَ .
قِيلَ : الْمُرَادُ بِـ : ( الَّذِينَ كَفَرُوا ) مُشْرِكُوا
مَكَّةَ ، الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ ، وَهَذَا يَتِمُّ إِنْ أُرِيدَ ( بِالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ) فِي الْآيَةِ ، يَهُودُ
الْمَدِينَةِ وَنَصَارَى
نَجْرَانَ فِي عَهْدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَهُوَ وَجْهٌ فِي الْآيَةِ كَمَا تَقَدَّمَ ، فَإِنَّهُمْ سَبَقُوا مِنْ أَهْلِ
مَكَّةَ بِالْكُفْرِ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَقِيلَ : الْمُرَادُ بِهِمْ قُدَمَاؤُهُمْ ، يَعْنِي أَنَّ مَنْ كَانَ فِي زَمَنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ ، يُضَاهِئُ قَوْلُهُمْ قَوْلَ قُدَمَائِهِمْ ، وَالْمُرَادُ عَرَاقَتُهُمْ فِي الْكُفْرِ ، أَيْ : أَنَّهُ كُفْرٌ قَدِيمٌ فِيهِمْ غَيْرُ مُسْتَحْدَثٍ .
قَالَ
أَبُو السُّعُودِ : وَفِيهِ أَنَّهُ لَا تَعَدُّدَ فِي الْقَوْلِ ، حَتَّى يَتَأَتَّى التَّشْبِيهُ ، وَجَعَلَهُ بَيْنَ قَوْلَيِ الْفَرِيقَيْنِ ، مَعَ اتِّحَادِ الْمَقُولِ ، لَيْسَ فِيهِ مَزِيدُ مَزِيَّةٍ .
وَقِيلَ : الضَّمِيرُ لِلنَّصَارَى ، أَيْ : يُضَاهِئُ قَوْلُهُمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=30الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ قَوْلَ الْيَهُودِ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=30عُزَيْرٌ إِلَخْ لِأَنَّهُمْ أَقْدَمُ مِنْهُمْ .
قَالَ
أَبُو السُّعُودِ : وَهُوَ أَيْضًا كَمَا تَرَى ، فَإِنَّهُ يَسْتَدْعِي اخْتِصَاصَ الرَّدِّ وَالْإِبْطَالِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=30ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ بِقَوْلِ النَّصَارَى . انْتَهَى .
وَالْمُضَاهَاةُ الْمُشَابِهَةُ ، يُقَالُ : ضَاهَيْتُ ، وَضَاهَأْتُ - كَمَا قَالَهُ
الْجَوْهَرِيُّ - وَقِرَاءَةُ الْعَامَّةِ ( يُضَاهُونَ ) ، بِهَاءٍ مَضْمُومَةٍ بَعْدَهَا وَاوٌ .
وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=16273عَاصِمٌ بَهَاءٍ مَكْسُورَةٍ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ مَضْمُومَةٌ ، وَهُمَا بِمَعْنًى مِنَ الْمُضَاهَأَةِ ، وَهِيَ الْمُشَابَهَةُ ، وَهُمَا لُغَتَانِ .
وَقِيلَ : الْيَاءُ فَرْعٌ عَنِ الْهَمْزَةِ ، كَمَا قَالُوا : قَرَيْتُ وَتَوَضَّيْتُ وَأَخْطَيْتُ .
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=30قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَيْ : لَعَنَهُمْ أَوْ قَتَلَهُمْ ، أَوْ عَادَاهُمْ أَوْ تَعَجَّبَ مِنْ شَنَاعَةِ قَوْلِهِمْ .
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=30أَنَّى يُؤْفَكُونَ أَيْ : كَيْفَ يُصْرِفُونَ عَنِ الْحَقِّ إِلَى الْبَاطِلِ .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى :