القول في تأويل قوله تعالى :
[ 40 ] إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنـزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم .
إلا تنصروه أي : بالخروج معه إلى تبوك فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا
يعني كفار مكة حين مكروا به ، فصاروا سبب خروجه ، فخرج ومعه رضي الله عنه أبو بكر الصديق ثاني اثنين حال من ضميره صلى الله عليه وسلم ، أي : أحد اثنين إذ هما في الغار بدل من : إذ أخرجه بدل البعض ، إذ المراد به زمان متسع .
والغار نقب في أعلى ثور ، وهو جبل في الجهة اليمنى من مكة على مسيرة ساعة ، مكثا فيه ثلاثا ، ليرجع الطلب الذين خرجوا في آثارهما ، ثم يسيرا إلى المدينة ، إذ يقول بدل ثان ، أي : [ ص: 3157 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم لصاحبه أي : : أبي بكر لا تحزن وذلك أن رضي الله عنه أشفق من المشركين أن يعلموا بمكانهما ، فيخلص إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أذى ، وطفق يجزع لذلك ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبا بكر لا تحزن إن الله معنا أي : بالنصرة والحفظ .
روى الإمام والشيخان عن أحمد رضي الله عنه قال : أبي بكر الغار ، وهم على رؤوسنا ، فقلت : يا رسول الله ! لو أن أحدهم نظر إلى قدميه أبصرنا تحت قدميه ! فقال : « يا ! ما ظنك باثنين الله ثالثهما » أبا بكر . نظرت إلى أقدام المشركين ونحن في
فأنـزل الله سكينته أي : أمنته التي تسكن عندها القلوب عليه أي : على النبي صلى الله عليه وسلم وأيده بجنود لم تروها يعني الملائكة ، أنزلهم ليحرسوه في الغار ، أو ليعينوه على العدو يوم بدر والأحزاب وحنين ، فتكون الجملة معطوفة على قوله : نصره الله وقوى أبو السعود الوجه الثاني ، بأن الأول يأباه وصفهم بعدم رؤية المخاطبين لهم .
قلت : لا إباءة ، لأن هذا وصف لازم لإمداد القوة الغيبية في كل حال ، وفي الثاني تفكيك في الأسلوب لبعد المتعاطفين ، فافهم . والله أعلم .
وجعل كلمة الذين كفروا السفلى أي : المغلوبة المقهورة ، و ( الكلمة ) الشرك ، أو دعوة الكفر ، فهو مجاز عن معتقدهم الذي من شأنهم التكلم به على أنها الشرك ، أو هي بمعنى الكلام مطلقا على أنها دعوة الكفر وكلمة الله هي العليا يعني التوحيد ، أو دعوة الإسلام كما تقدم ، أي : التي لا تزال عالية إلى يوم القيامة وكلمة الله بالرفع على الابتداء و : هي العليا مبتدأ وخبر . أو تكون ( هي ) فصلا .
وقرئ بالنصب أي : وجعل كلمة الله ، والأول [ ص: 3158 ] أوجه وأبلغ ، لأن الجملة الاسمية تدل على الدوام والثبوت ، وإن الجعل لم يتطرق لها لأنها في نفسها عالية لا يتبدل شأنها ولا يتغير حالها ، وفي إضافة ( الكلمة ) إلى ( الله ) إعلاء لمكانها ، وتنويه لشأنها والله عزيز أي : غالب على ما أراد : حكيم في حكمه وتدبيره .
تنبيه :
قال بعض مفسري الزيدية : استدل على أبي بكر من هذه الآية من وجوه : منها : قوله تعالى : عظيم محل إذ يقول لصاحبه لا تحزن وقوله : إن الله معنا وقوله فأنـزل الله سكينته عليه قيل : على . أبي بكر
عن أبي علي ، قال والأصم : لأنه الخائف المحتاج إلى الأمن ، وقيل : على الرسول ، عن أبو علي الزجاج وأبي مسلم .
قال جار الله : وقد قالوا : من أنكر صحبة فقد كفر ، لأنه رد كتاب الله تعالى . انتهى . أبي بكر
وقال السيوطي في ( " الإكليل " ) : أخرج عن ابن أبي حاتم رضي الله عنه أنه قال : أنا ، والله ! صاحبه ، فمن هنا قالت المالكية : من أنكر صحبة أبي بكر كفر وقتل ، بخلاف غيره من الصحابة ، لنص القرآن على صحبته . انتهى . أبي بكر
وعن ابن عمر : « أنت صاحبي على الحوض ، وصاحبي في لأبي بكر الغار » - أخرجه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وقال : حديث حسن غريب - . الترمذي
وقد ساق الفخر الرازي اثني عشر وجها من هذه الآية على فضل رضي الله تعالى عنه ، فأطال وأطاب . الصديق
ولما توعد تعالى من لا ينفر مع الرسول لتبوك ، وضرب له من الأمثال ما فيه أعظم مزدجر ، أتبعه بهذا الأمر الجزم ، فقال سبحانه :