[ ص: 3169 ] القول في تأويل قوله تعالى :
[ 47 ] لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم والله عليم بالظالمين .
لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا أي : فسادا وشرا ولأوضعوا خلالكم أي : ولأسرعوا السير والمشي بينكم بالفساد .
قال الشهاب : الإيضاع : إسراع سير الإبل . يقال : وضعت الناقة ، تضع إذا أسرعت ، وأوضعتها أنا .
والمراد : الإسراع بالنمائم ، لأن الراكب أسرع من الماشي . فقيل : المفعول مقدر ، وهو النمائم ، فشبه النمائم بالركائب في جريانها وانتقالها ، وأثبت لها الإيضاع . ففيه تخييلية ومكنية .
وقيل : إنه استعارة تبعية ، شبه سرعة إفسادهم لذات البين بالنميمة ، بسرعة سير الركائب ، ثم استعير لها الإيضاع ، وهو للإبل .
و ( خلال ) جمع خلل ، وهو الفرجة ، استعمل ظرفا بمعنى ( بين ) .
واعلم أن قوله : ولأوضعوا مرسوم في الإمام بألفين ، لأن الفتحة كانت تكتب ألفا قبل الخط العربي ، والخط العربي اختراع قريبا من نزول القرآن ، وقد بقي من تلك الألف أثر في الطباع ، فكتبوا صورة الهمزة ألفا وفتحها ألفا أخرى ونحوه : أو لأذبحنه
يبغونكم الفتنة أي : يطلبون لكم ما تفتنون ، بإيقاع الخلاف فيما بينكم ، وإلقاء الرعب في قلوبكم ، وإفساد نياتكم وفيكم سماعون لهم أي : منقادون لقولهم مستحسنون لحديثهم ، وإن كانوا لا يعلمون حالهم ، لضعف عقولهم ، فيتوهمون منهم النصح والإعانة ، وهم يريدون التخذيل والفتنة ، فيؤدي إلى وقوع شر بين المؤمنين ، وفساد كبير .
وقال مجاهد وزيد بن أسلم ، أي : فيكم عيون يسمعون لهم الأخبار وينقلونها إليهم . وابن جرير
[ ص: 3170 ] قال : وهذا لا يبقى له اختصاص بخروجهم معهم ، بل هذا عام في جميع الأحوال . والمعنى الأول أظهر في المناسبة بالسياق ، وإليه ذهب ابن كثير وغيره من المفسرين . قتادة
قال : كان استأذن ، فيما بلغني ، من ذوي الشرف منهم محمد بن إسحاق عبد الله بن أبي ابن سلول والجد بن قيس ، وكانوا أشرافا في قومهم ، فثبطهم الله ، لعلمه بهم أن يخرجوا فيفسدوا عليه جنده .
وكان في جنده قوم أهل محبة لهم وطاعة فيها يدعونهم إليه ، لشرفهم فيهم ، فقال : وفيكم سماعون لهم انتهى .
والله عليم بالظالمين ولا يخفى عليه شيء من أمرهم ، وفيه شمول للفريقين : القاعدين والسماعين .
ثم برهن تعالى على ابتغائهم الفتنة في كل مرة بقوله :