القول في تأويل قوله تعالى :
[ 105 ] وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون .
وقل أي : لأهل التوبة والتزكية والصلاة ، لا تكتفوا بها ، بل : اعملوا جميع [ ص: 3258 ] ما تؤمرون به فسيرى الله عملكم أي : فيزيدكم قربا على قرب ، ورسوله فيزيدكم صلوات والمؤمنون فيتبعونكم ، فيحصل لكم أجرهم ، من غير أن ينقص من أجورهم شيء - هكذا قاله المهايمي - وهو قوي في الارتباط .
وقال أبو مسلم : إن المؤمنين شهداء الله يوم القيامة ، كما قال : وكذلك جعلناكم أمة وسطا الآية ، والشهادة لا تصح إلا بعد الرؤية ، فذكر تعالى أن الرسول عليه السلام والمؤمنين يرون أعمالهم ، والتنبيه على أنهم يشهدون يوم القيامة ، عند حضور الأولين والآخرين ، بأنهم أهل الصدق والسداد والعفاف والرشاد .
ونقل عن أن الآية وعيد للمخالفين أوامره ، بأن أعمالهم ستعرض عليه تبارك وتعالى وعلى الرسول والمؤمنين . مجاهد
قال : وهذا كائن لا محالة يوم القيامة ، كما قال تعالى : ابن كثير يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية وقال تعالى : يوم تبلى السرائر وقال تعالى : وحصل ما في الصدور وقد ظهر الله تعالى ذلك للناس في الدنيا ، كما روى الإمام عن أحمد مرفوعا : أبي سعيد . « لو أن أحدكم يعمل في صخرة صماء ، ليس لها باب ولا كوة ، لأخرج الله عمله للناس كائنا من كان »
وروي أن أعمال الأحياء تعرض على الأموات من الأقرباء والعشائر في البرزخ - كما في مسند أحمد - . والطيالسي
وستردون إلى عالم الغيب والشهادة أي : بالموت فينبئكم بما كنتم تعملون أي : بالمجازاة عليه .
قال أبو السعود : في وضع الظاهر موضع المضمر ـ أي : ( حيث لم يقل : إليه ) ـ من تهويل [ ص: 3259 ] الأمر ، وتربية المهابة ، ما لا يخفى . ووجه تقديم ( الغيب ) في الذكر لسعة علمه ، وزيادة خطره على الشهادة ، غني عن البيان .
وعن : الغيب ما يسرونه من الأعمال ، والشهادة ما يظهرونه ، كقوله تعالى : ابن عباس أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون ، فالتقدم حينئذ لتحقق أن نسبة علمه المحيط بالسر والعلن واحدة ، على أن أبلغ وجه وآكده ، أو للإيذان بأن رتبة السر متقدمة على رتبة العلن ، إذ ما من شيء يعلن إلا وهو ، أو مبادئه القريبة أو البعيدة ، مضمر قبل ذلك في القلب . فتعلق علمه تعالى به في حالته الأولى ، متقدم على تعلقه به في حالته الثانية .
وقوله تعالى :