[ ص: 308 ] القول في تأويل قوله تعالى :
[150 ] ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم فلا تخشوهم واخشوني ولأتم نعمتي عليكم ولعلكم تهتدون
ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره وقوله تعالى : لئلا يكون للناس عليكم حجة أي لئلا يحتج عليكم أحد في التولي إلى غيره ، ولتنتفي مجادلتهم لكم ، كقول اليهود مثلا : يجحد ديننا ويتبع قبلتنا ! وقول غيرهم : يدعي ملة إبراهيم ويخالف قبلته ! فإذا صليتم إليه لا تكون لهم عليكم حجة .
قال : وأشار بقوله الراغب وإنه للحق من ربك إلى تحقيق ما قدمه ، فبين أنه إذا كانت الحكمة تقتضي أن يكون لكل صاحب شرع قبلة يختص بها ، وأنت صاحب شرع ، فتغيير القبلة لك حق من ربك . (ثم قال) : إن قيل : لم كرر قوله : وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره ؟ قيل : حث بإحداهما على التوجه نحو القبلة بالقلب والبدن في أي مكان حصل للإنسان ، نائيا كان عنها أو دانيا منها . وذلك مآل الاختيار والتمكن ، وحث بالآخر على التمكن بالقلب وحده عند اشتباه القبلة ، وفي النافلة في حال اليسر على الراحلة والسفر. إلا الذين ظلموا منهم فإنهم يظهرون فجورا ولددا في ذلك ، بالعناد . وهم : إما اليهود المعبر عنهم بأهل الكتاب قبل ، أو المنافقون أو المشركون كما حكى قبل في "السفهاء" ، وكان من قول اليهود ، فيما حكاه : اشتاق الرجل إلى بيت أبيه ودين قومه . ومن قول المشركين ، فيما حكاه قتادة : قد رجع إلى قبلتكم فيوشك [ ص: 309 ] أن يرجع إلى دينكم. وتقدم قول المنافقين . وبالجملة فالكل عابوا وخاضوا مجاهد فلا تخشوهم تخافوا جدالهم واخشوني فلا تخالفوا أمري ولأتم نعمتي عليكم بالتوجه إلى أكمل الجهات المتضمنة للآيات البينات والأمن "ولعلكم تهتدون" للصراط المستقيم بالتوجه إليها ، فتهتدون بهذه القبلة هداية كاملة .
قال : وفي طيه بشرى بفتح الحرالي مكة ، واستيلائه على جزيرة العرب كلها ، وتمكينه بذلك من سائر أهل الأرض ، لاستغراق الإسلام لكافة العرب الذين فتح الله بهم له مشارق الأرض ومغاربها ، التي انتهى إليها ملك أمته .