[ ص: 351 ] القول في تأويل قوله تعالى:
[159] إن الذين يكتمون ما أنـزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون
إن الذين يكتمون ما أنـزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون
لما تقدم أن بعض أهل الكتاب يكتمون ما يعلمون من هذا الحق، وختم ما أتبعه له بصفتي الشكر والعلم - ترغيبا وترهيبا - بأنه يشكر من فعل ما شرعه له، ويعلم من أخفاه وإن دق فعله وبالغ في كتمانه، انعطف الكلام إلى تبكيت المنافقين منهم، ولعنهم على كتمانهم ما يعلمون من الحق ; إذ كانت هذه كلها في الحقيقة قصصهم، والخروج إلى غيرها إنما هو استطراد على الأسلوب الحكيم المبين ; لأن هذا الكتاب هدى، وكان السياق مرشدا إلى أن التقدير بعد: شاكر عليم ومن أحدث شرا فإن الله عليم قدير، فوصل به استئنافا قوله - على وجه يعمهم وغيرهم -: إن الذين يكتمون ما أنـزلنا الآية، بيانا لجزائهم، فانتظمت هذه الآية في ختمها لهذا الخطاب بما مضى في أوله من قوله: ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون فكانت البداية خاصة، وكان الختم عاما، ليكون ما في كتاب الله أمرا منطبقا - على نحو ما كان أمر محمد صلى الله عليه وسلم ومن تقدمه من الرسل خلقا - لينطبق الأمر على الخلق بدءا وختما انطباقا واحدا، فعم كل كاتم من الأولين والآخرين. نقله البقاعي.
واللعن: الطرد والإبعاد عن الخير، هذا من الله تعالى، ومن الخلق: السب والشتم، والدعاء على الملعون، ومشاقته، ومخالفته، مع السخط عليه، والبراءة منه. والمراد بقوله: اللاعنون كل من يصح منه لعن، وقد بينه بعد قوله تعالى: أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين [ ص: 352 ] وقد دلت الآية على أن هذا الكتمان من الكبائر ; لأنه تعالى أوجب فيه اللعن، لأن ما يتصل بالدين ويحتاج إليه المكلف لا يجوز أن يكتم، ومن كتمه فقد عظمت خطيئته، وبلغ للعنه من الشقاوة والخسران الغاية التي لا يدرك كنهها..! وقد وردت أحاديث كثيرة في النهي عن وفي الصحيحين عن كتمان العلم. قال: لولا آيتان أنزلهما الله في كتابه ما حدثت شيئا أبدا: أبي هريرة إن الذين يكتمون الآية، وقوله: وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه الآية.
ثم استثنى تعالى من هؤلاء من تاب إليه فقال: