[ ص: 43 ] القول في تأويل قوله تعالى :
[9 ] يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون
قال القاشاني : المخادعة استعمال الخدع من الجانبين ، وهو إظهار الخير ، واستبطان الشر ، ومخادعة الله مخادعة رسوله ، لقوله : من يطع الرسول فقد أطاع الله فخداعهم لله وللمؤمنين إظهار الإيمان والمحبة ، واستبطان الكفر والعداوة . وخداع الله والمؤمنين إياهم مسالمتهم ، وإجراء أحكام الإسلام عليهم . بحقن الدماء وحصن الأموال وغير ذلك . وادخار العذاب الأليم ، والمآل الوخيم ، وسوء المغبة لهم ، وخزيهم في الدنيا لافتضاحهم بإخباره تعالى وبالوحي عن حالهم . لكن الفرق بين الخداعين : أن خداعهم لا ينجح إلا في أنفسهم . بإهلاكها ، و تحسيرها ، وإيراثها الوبال والنكال- بازدياد الظلمة ، والكفر ، والنفاق ، واجتماع أسباب الهلكة ، والبعد والشقاء ، عليها -وخداع الله يؤثر فيهم أبلغ تأثير ، ويوبقهم أشد إيباق ، كقوله تعالى: ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين وهم - من غاية تعمقهم في جهلهم - لا يحسون بذلك الأمر الظاهر .
وقرأ ، ابن كثير ، ونافع : "وما يخادعون" بالألف . وأبو عمرو
قال : نبه الله سبحانه على صفات المنافقين ، لئلا يغتر بظاهر أمرهم المؤمنون ، فيقع بذلك فساد عريض - من عدم الاحتراز منهم ، ومن اعتقاد إيمانهم ، وهم كفار في نفس الأمر - وهذا من المحذورات : أن يظن بأهل الفجور خير . ثم إن قول من قال : كان عليه [ ص: 44 ] الصلاة والسلام يعلم أعيان بعض المنافقين -إنما مستنده حديث ابن كثير في تسمية أولئك الأربعة عشر منافقا - في غزوة حذيفة بن اليمان تبوك - الذين هموا أن يفتكوا برسول الله صلى الله عليه وسلم في ظلماء الليل عند عقبة هناك ، عزموا على أن ينفروا به الناقة ، ليسقط عنها ، فأوحى الله إليه أمرهم ، فأطلع على ذلك . حذيفة
فأما غير هؤلاء ، فقد قال الله تعالى : وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم الآية . وقال تعالى : لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا ففيها دليل على أنه لم يغر بهم ولم يدرك على أعيانهم ، وإنما كان تذكر له صفاتهم ، فيتوسمها في بعضهم ، كما قال تعالى : ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول والله يعلم أعمالكم وقد كان من أشهرهم بالنفاق ، عبد الله بن أبي ابن سلول .
واستند - غير واحد من الأئمة - في الحكمة عن كفه صلى الله عليه وسلم عن قتل المنافقين ، بما ثبت في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال رضي الله عنه لعمر العرب أن محمدا [ ص: 45 ] يقتل أصحابه » . ومعناه خشية أن يقع بسبب ذلك تنفير لكثير من الأعراب عن الدخول في الإسلام ، ولا يعلمون حكمة قتلهم -بأنه لأجل كفرهم- فإنهم إنما يأخذونه بمجرد ما يظهر لهم ، فيقولون : إن « أكره أن يتحدث محمدا يقتل أصحابه .