القول في تأويل قوله تعالى:
[ 80 ]
nindex.php?page=treesubj&link=31895_34089_28983nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=80فلما استيأسوا منه خلصوا نجيا قال كبيرهم ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله ومن قبل ما فرطتم في يوسف فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=80فلما استيأسوا منه خلصوا نجيا أي يئسوا من
يوسف وإجابته لهم أشد يأس، كما دل عليه (السين والتاء) فإنهما يزادان في المبالغة.
[ ص: 3578 ] قال
أبو السعود: وإنما حصلت لهم هذه المرتبة من اليأس، لما شاهدوه من عوذه بالله لما طلبوه، الدال على كون ذلك عنده في أقصى مراتب الكراهة، وأنه مما يجب أن يحترز عنه، ويعاذ بالله عز وجل، ومن تسميته (ظلما) بقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=79إنا إذا لظالمون و
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=80خلصوا بمعنى اعتزلوا وانفردوا عن الناس، خالصين، لا يخالطهم سواهم، و (نجيا) حال من فاعل
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=80خلصوا أي: اعتزلوا في هذه الحالة مناجين. وإنما أفردت الحال وصاحبها جمع; إما لأن النجي (فعيل) بمعنى (مفاعل) كالعشير والخليط، بمعنى المعاشر والمخالط، كقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=52وقربناه نجيا أي مناجيا، وهذا في الاستعمال يفرد مطلقا. يقال: هم خليطك وعشيرك أي: مخالطوك ومعاشروك. وإما لأنه صفة على (فعيل) بمنزلة صديق، وبابه. فوحد لأنه بزنة المصادر، كالصهيل والوحيد والذميل. وإما لأنه مصدر بمعنى التناجي، أطلق على المتناجين مبالغة، أو لتأويله بالمشتق والمصدر، ولو بحسب الأصل، يشمل القليل والكثير، وتنزيل المصدر منزلة الأوصاف أبلغ في المعنى، ولذا قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري: وأحسن منه -أي من تأويل
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=80نجيا بذوي نجوى، أو فوجا نجيا أي مناجيا- أنهم تمحضوا تناجيا لاستجماعهم لذلك، وإفاضتهم فيه، بجد واهتمام، كأنهم في أنفسهم صورة التناجي وحقيقته، وكان تناجيهم في تدبير أمرهم على أي صفة يذهبون، وما يقولون لأبيهم في شأن أخيهم؟ كقوم تعايوا بما دهمهم من الخطب، فاحتاجوا إلى التشاور. انتهى.
لطيفة:
ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=14961القاضي عياض في (الشفا) في (بحث إعجاز القرآن): أن أعرابيا سمع رجلا يقرأ:
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=80فلما استيأسوا منه خلصوا نجيا فقال: أشهد أن مخلوقا لا يقدر على مثل هذا الكلام.
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13967الثعالبي في كتاب (الإيجاز والإعجاز) في الباب الأول: من أراد أن يعرف
[ ص: 3579 ] جوامع الكلم، ويتنبه لفضل الاختصار، ويحيط ببلاغة الإيماء، ويفطن لكفاية الإيجاز، فليتدبر القرآن، وليتأمل علوه على سائر الكلام.
ثم قال: فمن ذلك قوله عز ذكره، في إخوة
يوسف: nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=80فلما استيأسوا منه خلصوا نجيا وهذه صفة اعتزالهم جميع الناس وتقليبهم الآراء ظهرا لبطن، وأخذهم في تزوير ما يلقون به أباهم عند عودهم إليه، وما يوردون عليه من ذكر الحادث. فتضمنت تلك الكلمات القصيرة معاني القصة الطويلة.
وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=80قال كبيرهم أي في السن، كما هو المتبادر، وهو فيما يروى،
(رؤبين): nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=80ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله أي عهدا وثيقا في رد أخيكم. وإنما جعل منه تعالى لكون الحلف كان باسمه الكريم.
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=80ومن قبل أي قبل هذا
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=80ما فرطتم في يوسف أي قصرتم في شأنه و (ما) إما مزيدة، و (من) متعلق بالفعل بعده، والجملة حالية، وإما مصدرية في موضع رفع بالابتداء، و (من قبل) خبره، أو في موضع نصب عطفا على معمول (تعلموا). وإما موصولة بالوجهين، أي: قدمتموه في حقه من الخيانة، ولم تحفظوا عهد أبيكم بعد ما قلتم:
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=11وإنا له لناصحون nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=12وإنا له لحافظون nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=80فلن أبرح الأرض أي: فلن أفارق أرض
مصر nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=80حتى يأذن لي أبي أي في الرجوع
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=80أو يحكم الله لي أي بالخروج من
مصر، أو بخلاص أخي بسبب ما.
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=80وهو خير الحاكمين لأنه لا يحكم إلا بالحق والعدل.
ثم أمر كبيرهم أن يخبروا أباهم بما جرى، فقال:
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى:
[ 80 ]
nindex.php?page=treesubj&link=31895_34089_28983nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=80فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=80فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا أَيْ يَئِسُوا مِنْ
يُوسُفَ وَإِجَابَتِهِ لَهُمْ أَشَدَّ يَأْسٍ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ (السِّينُ وَالتَّاءُ) فَإِنَّهُمَا يُزَادَانِ فِي الْمُبَالَغَةِ.
[ ص: 3578 ] قَالَ
أَبُو السُّعُودِ: وَإِنَّمَا حَصَلَتْ لَهُمْ هَذِهِ الْمَرْتَبَةُ مِنَ الْيَأْسِ، لِمَا شَاهَدُوهُ مِنْ عَوَذِهِ بِاللَّهِ لِمَا طَلَبُوهُ، الدَّالِّ عَلَى كَوْنِ ذَلِكَ عِنْدَهُ فِي أَقْصَى مَرَاتِبِ الْكَرَاهَةِ، وَأَنَّهُ مِمَّا يَجِبُ أَنْ يُحْتَرَزَ عَنْهُ، وَيُعَاذَ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَمِنْ تَسْمِيَتِهِ (ظُلْمًا) بِقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=79إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=80خَلَصُوا بِمَعْنَى اعْتَزَلُوا وَانْفَرَدُوا عَنِ النَّاسِ، خَالِصِينَ، لَا يُخَالِطُهُمْ سِوَاهُمْ، وَ (نَجِيًّا) حَالٌ مِنْ فَاعِلِ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=80خَلَصُوا أَيِ: اعْتَزَلُوا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مُنَاجِينَ. وَإِنَّمَا أُفْرِدَتِ الْحَالُ وَصَاحِبُهَا جَمْعٌ; إِمَّا لِأَنَّ النَّجِيَّ (فَعِيلٌ) بِمَعْنَى (مُفَاعِلٍ) كَالْعَشِيرِ وَالْخَلِيطِ، بِمَعْنَى الْمُعَاشِرِ وَالْمُخَالِطِ، كَقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=52وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا أَيْ مُنَاجِيًا، وَهَذَا فِي الِاسْتِعْمَالِ يُفْرَدُ مُطْلَقًا. يُقَالُ: هُمْ خَلِيطُكَ وَعَشِيرُكَ أَيْ: مُخَالِطُوكَ وَمُعَاشِرُوكَ. وَإِمَّا لِأَنَّهُ صِفَةٌ عَلَى (فَعِيلٍ) بِمَنْزِلَةِ صَدِيقٍ، وَبَابِهِ. فَوُحِّدَ لِأَنَّهُ بِزِنَةِ الْمَصَادِرِ، كَالصَّهِيلِ وَالْوَحِيدِ وَالذَّمِيلِ. وَإِمَّا لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى التَّنَاجِي، أُطْلِقَ عَلَى الْمُتَنَاجِينَ مُبَالَغَةً، أَوْ لِتَأْوِيلِهِ بِالْمُشْتَقِّ وَالْمَصْدَرِ، وَلَوْ بِحَسَبِ الْأَصْلِ، يَشْمَلُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ، وَتَنْزِيلُ الْمَصْدَرِ مَنْزِلَةَ الْأَوْصَافِ أَبْلَغُ فِي الْمَعْنَى، وَلِذَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ: وَأَحْسَنُ مِنْهُ -أَيْ مِنْ تَأْوِيلِ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=80نَجِيًّا بِذَوِي نَجْوَى، أَوْ فَوْجًا نَجِيًّا أَيْ مُنَاجِيًا- أَنَّهُمْ تَمَحَّضُوا تَنَاجِيًا لِاسْتِجْمَاعِهِمْ لِذَلِكَ، وَإِفَاضَتِهِمْ فِيهِ، بِجِدٍّ وَاهْتِمَامٍ، كَأَنَّهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ صُورَةُ التَّنَاجِي وَحَقِيقَتُهُ، وَكَانَ تَنَاجِيهِمْ فِي تَدْبِيرِ أَمْرِهِمْ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ يَذْهَبُونَ، وَمَا يَقُولُونَ لِأَبِيهِمْ فِي شَأْنِ أَخِيهِمْ؟ كَقَوْمٍ تَعَايَوْا بِمَا دَهَمَهُمْ مِنَ الْخَطْبِ، فَاحْتَاجُوا إِلَى التَّشَاوُرِ. انْتَهَى.
لَطِيفَةٌ:
ذَكَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=14961الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي (الشَّفَا) فِي (بَحْثِ إِعْجَازِ الْقُرْآنِ): أَنَّ أَعْرَابِيًّا سَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=80فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مَخْلُوقًا لَا يَقْدِرُ عَلَى مِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ.
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13967الثَّعَالِبِيُّ فِي كِتَابِ (الْإِيجَازُ وَالْإِعْجَازُ) فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَعْرِفَ
[ ص: 3579 ] جَوَامِعَ الْكَلِمِ، وَيَتَنَبَّهَ لِفَضْلِ الِاخْتِصَارِ، وَيُحِيطَ بِبَلَاغَةِ الْإِيمَاءِ، وَيَفْطُنَ لِكِفَايَةِ الْإِيجَازِ، فَلْيَتَدَبَّرِ الْقُرْآنَ، وَلْيَتَأَمَّلْ عُلُوَّهُ عَلَى سَائِرِ الْكَلَامِ.
ثُمَّ قَالَ: فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ ذِكْرُهُ، فِي إِخْوَةِ
يُوسُفَ: nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=80فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا وَهَذِهِ صِفَةُ اعْتِزَالِهِمْ جَمِيعَ النَّاسِ وَتَقْلِيبِهِمُ الْآرَاءَ ظَهْرًا لِبَطْنٍ، وَأَخْذِهِمْ فِي تَزْوِيرِ مَا يَلْقَوْنَ بِهِ أَبَاهُمْ عِنْدَ عَوْدِهِمْ إِلَيْهِ، وَمَا يُورِدُونَ عَلَيْهِ مِنْ ذِكْرِ الْحَادِثِ. فَتَضَمَّنَتْ تِلْكَ الْكَلِمَاتُ الْقَصِيرَةُ مَعَانِيَ الْقِصَّةِ الطَّوِيلَةِ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=80قَالَ كَبِيرُهُمْ أَيْ فِي السِّنِّ، كَمَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ، وَهُوَ فِيمَا يُرْوَى،
(رَؤُبِينُ): nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=80أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ أَيْ عَهْدًا وَثِيقًا فِي رَدِّ أَخِيكُمْ. وَإِنَّمَا جُعِلَ مِنْهُ تَعَالَى لِكَوْنِ الْحَلِفِ كَانَ بِاسْمِهِ الْكَرِيمِ.
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=80وَمِنْ قَبْلُ أَيْ قَبْلَ هَذَا
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=80مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ أَيْ قَصَّرْتُمْ فِي شَأْنِهِ وَ (مَا) إِمَّا مَزِيدَةٌ، وَ (مِنْ) مُتَعَلِّقٌ بِالْفِعْلِ بَعْدَهُ، وَالْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ، وَإِمَّا مَصْدَرِيَّةٌ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ، وَ (مِنْ قَبْلُ) خَبَرُهُ، أَوْ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَطْفًا عَلَى مَعْمُولِ (تَعْلَمُوا). وَإِمَّا مَوْصُولَةٌ بِالْوَجْهَيْنِ، أَيْ: قَدَّمْتُمُوهُ فِي حَقِّهِ مِنَ الْخِيَانَةِ، وَلَمْ تَحْفَظُوا عَهْدَ أَبِيكُمْ بَعْدَ مَا قُلْتُمْ:
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=11وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=12وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=80فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ أَيْ: فَلَنْ أُفَارِقَ أَرْضَ
مِصْرَ nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=80حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَيْ فِي الرُّجُوعِ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=80أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي أَيْ بِالْخُرُوجِ مِنْ
مِصْرَ، أَوْ بِخَلَاصِ أَخِي بِسَبَبٍ مَا.
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=80وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ لِأَنَّهُ لَا يَحْكُمُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَالْعَدْلِ.
ثُمَّ أَمَرَ كَبِيرُهُمْ أَنْ يُخْبِرُوا أَبَاهُمْ بِمَا جَرَى، فَقَالَ: