القول في تأويل قوله تعالى : 
[87] وألقوا إلى الله يومئذ السلم وضل عنهم ما كانوا يفترون    . 
وألقوا  أي : وألقى الذين ظلموا : إلى الله يومئذ السلم  أي : الاستسلام لحكمه بعد إبائهم في الدنيا : وضل عنهم ما كانوا يفترون  
أي من أن لله شركاء ، وأنهم يشفعون لهم عند الله تعالى . فإن قيل : قد جاء إنكارهم كقوله تعالى : يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم  والجواب ( كما قال القاشاني ) : إن ذلك بحسب المواقف . فالإنكار في الموقف الأول وقت قوة هيئات الرذائل وشدة شكيمة النفس في الشيطنة وغاية البعد عن النور الإلهي ، للاحتجاب بالحجب الغليظة والغواشي المظلمة حتى لا يعلم أنه كان يراه ويطلع عليه . ونهاية تكدر نور الفطرة حتى يمكنه إظهار خلاف مقتضاه ، والاستسلام في الموقف الثاني بعد مرور أحقاب كثيرة من ساعات اليوم ، الذي كان مقداره خمسين ألف سنة ، حين زالت الهيئات ورقت ، وضعفت شراشر النفس في رذائلها ، وقرب من عالم النور ، لرقة الحجب ولمعان نور فطرته الأولى ، فيعترف وينقاد . هذا إذا كان الاستسلام والإنكار لنفوس بعينها . وقد يكون الاستسلام للبعض الذين لم ترسخ هيئات رذائلهم ولم تغلظ حجبهم ولم ينطفئ نور استعدادهم .  [ ص: 3848 ] والإنكار لمن رسخت فيه الهيئات وقويت وغلبت عليه الشيطنة واستقرت ، وكثف الحجاب وبطل الاستعداد ، والله أعلم . 
				
						
						
