القول في تأويل قوله تعالى :
[29 - 31]
nindex.php?page=treesubj&link=25852_34370_3489_3526_4158_28993nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=29ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق nindex.php?page=treesubj&link=28328_30495_32445_34297_34383_34513_28993nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=30ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه وأحلت لكم الأنعام إلا ما يتلى عليكم فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور nindex.php?page=treesubj&link=28902_30489_30513_28993nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=31حنفاء لله غير مشركين به ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق .
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=29ثم أي : بعد الذبح :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=29ليقضوا تفثهم أي : ليؤدوا إزالة وسخهم من الإحرام ، بالحلق والتقصير وقص الأظفار ولبس الثياب :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=29وليوفوا نذورهم أي : ما ينذرونه من أعمال البر في حجهم :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=29وليطوفوا بالبيت العتيق أي : طواف الإفاضة . وهو طواف الزيارة الذي هو من أركان الحج . ويقع به تمام التحلل . والعتيق : (القديم ) . لأنه
nindex.php?page=treesubj&link=33011_24107أول بيت وضع للناس . أو المعتق من تسلط الجبابرة :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=30ذلك خبر محذوف . أي : الأمر ذلك . وهو وأمثاله من أسماء الإشارة ، تطلق للفصل بين الكلامين ، أو بين وجهي كلام واحد .
قال
الشهاب : والمشهور في الفصل (هذا ) كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=55هذا وإن للطاغين لشر مآب [ ص: 4338 ] واختيار (ذلك ) هنا لدلالته على تعظيم الأمر وبعد منزلته . وهو من الاقتضاب القريب من التخلص ، لملاءمة ما بعده لما قبله ، كما هنا :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=30ومن يعظم حرمات الله أي : أحكامه . أو
الحرم وما يتعلق بالحج من المناسك . و(الحرمات ) جمع حرمة وهو ما لا يحل هتكه ، بل يحترم شرعا :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=30فهو خير له عند ربه أي : ثوابا . و(خير ) اسم تفضيل حذف متعلقه . أي : من غيره ، أو ليس المراد به التفضيل فلا يحتاج لتقديره ، قاله
الشهاب . والثاني هو الأظهر ، لأنه أسلوب التنزيل في موضع لا يظهر التفاضل فيها . وإيثاره ، مع ذلك ، لرقة لفظه ، وجمعه بين الحسن والروعة :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=30وأحلت لكم الأنعام إلا ما يتلى عليكم أي : آية تحريمه . وذلك قوله في سورة المائدة :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3حرمت عليكم الميتة والدم والمعنى : أن الله قد أحل لكم الأنعام كلها ، إلا ما استثناه في كتابه . فحافظوا على حدوده . وإياكم أن تحرموا مما أحل لكم شيئا . كتحريم عبدة الأوثان البحيرة والسائبة وغير ذلك . وأن تحلوا مما حرم الله . كإحلالهم أكل الموقوذة والميتة وغير ذلك . أفاده
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري .
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=30فاجتنبوا الرجس من الأوثان تفريع على ما سبق من تعظيم حرماته تعالى . فإن
nindex.php?page=treesubj&link=28675ترك الشرك واجتناب الأوثان من أعظم المحافظة على حدوده تعالى . و(من ) بيانية . أي : فاجتنبوا الرجس الذي هو الأوثان ، كما تجتنب الأنجاس . وهو غاية المبالغة في النهي عن تعظيمها والتنفير عن عبادتها . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : سمى الأوثان رجسا وكذلك الخمر والميسر والأزلام ، على طريق التشبيه . يعني أنكم ، كما تنفرون بطباعكم عن الرجس وتجتنبونه ، فعليكم أن تنفروا عن هذه الأشياء مثل تلك النفرة . ونبه على هذا المعنى بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=90رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه جعل العلة في اجتنابه أنه رجس ، والرجس مجتنب . وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=30واجتنبوا قول الزور تعميم بعد تخصيص . فإن عبادة الأوثان رأس الزور . كأنه لما حث على تعظيم الحرمات ، أتبعه ذلك ، ردا لما كانت الكفرة عليه من تحريم البحائر والسوائب . وتعظيم الأوثان والافتراء على الله تعالى بأنه حكم بذلك ،
[ ص: 4339 ] وإعلاما بأن توحيد الله ونفي الشركاء عنه ، وصدق القول ، أعظم الحرمات وأسبقها خطوا :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=31حنفاء لله مخلصين له الدين ، منحرفين عن الباطل إلى الحق :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=31غير مشركين به أي : شيئا من الأشياء . ثم ضرب للمشرك مثلا في ضلاله وهلاكه وبعده عن الهدى ، فقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=31ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أي : سقط منها فقطعته الطيور في الهواء :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=31أو تهوي به الريح أي : تقدمه :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=31في مكان سحيق أي : بعيد مهلك لمن هوى فيه . و(أو ) للتخيير أو التنويع . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : يجوز في هذا التشبيه أن يكون من المركب والمفرق . فإن كان تشبيها مركبا ، فكأنه قال : من أشرك بالله فقد أهلك نفسه إهلاكا ليس بعده نهاية . بأن صور حاله بصورة حال من خر من السماء فاختطفته الطير ، فتفرق مزعا في حواصلها . أو عصفت به الريح حتى هوت به في بعض المطاوح البعيدة . وإن كان مفرقا ، فقد شبه الإيمان في علوه بالسماء ، والذي ترك الإيمان وأشرك بالله ، بالساقط من السماء . والأهواء التي تتوزع أفكاره ، بالطير المختطفة . والشيطان الذي يطوح به في وادي الضلالة ، بالريح التي تهوي بما عصفت به في بعض المهاوي المتلفة . فكتب الناصر عليه : أما على تقدير أن يكون مفرقا فيحتاج تأويل تشبيه المشرك بالهاوي من السماء ، إلى التنبيه على أحد أمرين : إما أن يكون الإشراك المراد ردته ، فإنه حينئذ كمن علا إلى السماء بإيمانه ثم هبط بارتداده وإما أن يكون الإشراك أصليا ، فيكون قد عد تمكن المشرك من الإيمان ومن العلو به ثم عدوله عنه اختيارا ، بمنزلة من علا إلى السماء ثم هبط كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=257والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات فعدهم مخرجين من النور وما دخلوه قط ، ولكن كانوا متمكنين منه . وفي تقريره تشبيه الأفكار المتوزعة للكافر ، بالطير المختطفة ، وفي تشبيه تطويح الشيطان بالهوي مع الريح في مكان سحيق - نظر . لأن الأمرين ذكرا في سياق تقسيم حال الكافر إلى قسمين . فإذا جعل الأول مثلا لاختلاف الأهواء
[ ص: 4340 ] والأفكار ، والثاني مثلا لنزغ الشيطان فقد جعلهما شيئا واحدا . لأن توزع الأفكار واختلاف الأهواء ، مضاف إلى نزغ الشيطان ، فلا يتحقق التقسيم المقصود . والذي يظهر في تقرير التشبيهين غير ذلك . فنقول : لما انقسمت حال الكفر إلى قسمين لا مزيد عليهما ، الأول منهما : المتذبذب والمتمادي على الشك وعدم التصميم على ضلالة واحدة . فهذا القسم من المشركين مشبه بمن اختطفته الطير وتوزعته ، فلا يستولي طائر على مزعة منه إلا انتهبها منه آخر ، وذلك حال المذبذب . لا يلوح له خيال إلا اتبعه ونزل عما كان عليه . والثاني : مشرك مصمم على معتقد باطل . لو نشر بالمنشار لم يكع ولم يرجع . لا سبيل إلى تشكيكه ، ولا مطمع في نقله عما هو عليه ، فهو فرح مبتهج بضلالته .
فهذا مشبه في إقراره على كفره ، باستقرار من هوت به الريح إلى واد سافل فاستقر فيه . ويظهر تشبيه بالاستقرار في الوادي السحيق ، الذي هو أبعد الأحباء عن السماء ، وصف ضلاله بالبعد في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=3أولئك في ضلال بعيد و :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=167ضلوا ضلالا بعيدا أي : صمموا على ضلالهم فبعد رجوعهم إلى الحق فهذا تحقيق القسمين والله أعلم . انتهى كلامه .
ولا يخفى أن في النظم الكريم مساغا له . إلا أنه لا قاطع به . نعم ، هو من بديع الاستنباط ، ورقيق الاستخراج . فرحم الله ناسخه .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير : وقد ضرب تعالى للمشركين مثلا آخر في سورة الأنعام . وهو قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=71قل أندعو من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران له أصحاب يدعونه إلى الهدى ائتنا قل إن هدى الله هو الهدى الآية .
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :
[29 - 31]
nindex.php?page=treesubj&link=25852_34370_3489_3526_4158_28993nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=29ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ nindex.php?page=treesubj&link=28328_30495_32445_34297_34383_34513_28993nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=30ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الأَنْعَامُ إِلا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ nindex.php?page=treesubj&link=28902_30489_30513_28993nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=31حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ .
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=29ثُمَّ أَيْ : بَعْدَ الذَّبْحِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=29لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ أَيْ : لِيُؤَدُّوا إِزَالَةَ وَسَخِهِمْ مِنَ الْإِحْرَامِ ، بِالْحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ وَقَصِّ الْأَظْفَارِ وَلُبْسِ الثِّيَابِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=29وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ أَيْ : مَا يُنْذِرُونَهُ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ فِي حَجِّهِمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=29وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ أَيْ : طَوَافَ الْإِفَاضَةِ . وَهُوَ طَوَافُ الزِّيَارَةِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ . وَيَقَعُ بِهِ تَمَامُ التَّحَلُّلِ . وَالْعَتِيقُ : (الْقَدِيمُ ) . لِأَنَّهُ
nindex.php?page=treesubj&link=33011_24107أَوَّلُ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ . أَوِ الْمُعْتَقُ مِنْ تَسَلُّطِ الْجَبَابِرَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=30ذَلِكَ خَبَرُ مَحْذُوفٍ . أَيِ : الْأَمْرُ ذَلِكَ . وَهُوَ وَأَمْثَالُهُ مِنْ أَسْمَاءِ الْإِشَارَةِ ، تُطْلَقُ لِلْفَصْلِ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ ، أَوْ بَيْنَ وَجْهَيْ كَلَامٍ وَاحِدٍ .
قَالَ
الشِّهَابُ : وَالْمَشْهُورُ فِي الْفَصْلِ (هَذَا ) كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=55هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ [ ص: 4338 ] وَاخْتِيَارُ (ذَلِكَ ) هُنَا لِدَلَالَتِهِ عَلَى تَعْظِيمِ الْأَمْرِ وَبُعْدِ مَنْزِلَتِهِ . وَهُوَ مِنَ الِاقْتِضَابِ الْقَرِيبِ مِنَ التَّخَلُّصِ ، لِمُلَاءَمَةِ مَا بَعْدَهُ لِمَا قَبْلَهُ ، كَمَا هُنَا :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=30وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ أَيْ : أَحْكَامَهُ . أَوِ
الْحَرَمَ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِالْحَجِّ مِنَ الْمَنَاسِكِ . وَ(الْحُرُمَاتُ ) جَمْعُ حُرْمَةٍ وَهُوَ مَا لَا يَحِلُّ هَتْكُهُ ، بَلْ يُحْتَرَمُ شَرْعًا :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=30فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ أَيْ : ثَوَابًا . وَ(خَيْرُ ) اسْمُ تَفْضِيلٍ حُذِفَ مُتَعَلِّقُهُ . أَيْ : مِنْ غَيْرِهِ ، أَوْ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ التَّفْضِيلَ فَلَا يَحْتَاجُ لِتَقْدِيرِهِ ، قَالَهُ
الشِّهَابُ . وَالثَّانِي هُوَ الْأَظْهَرُ ، لِأَنَّهُ أُسْلُوبُ التَّنْزِيلِ فِي مَوْضِعٍ لَا يَظْهَرُ التَّفَاضُلُ فِيهَا . وَإِيثَارُهُ ، مَعَ ذَلِكَ ، لِرِقَّةِ لَفْظِهِ ، وَجَمْعِهِ بَيْنَ الْحُسْنِ وَالرَّوْعَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=30وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الأَنْعَامُ إِلا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ أَيْ : آيَةُ تَحْرِيمِهِ . وَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَالْمَعْنَى : أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَلَّ لَكُمُ الْأَنْعَامَ كُلَّهَا ، إِلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ فِي كِتَابِهِ . فَحَافِظُوا عَلَى حُدُودِهِ . وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُحَرِّمُوا مِمَّا أُحِلُّ لَكُمْ شَيْئًا . كَتَحْرِيمِ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ الْبَحِيرَةَ وَالسَّائِبَةَ وَغَيْرَ ذَلِكَ . وَأَنْ تُحِلُّوا مِمَّا حَرَّمَ اللَّهُ . كَإِحْلَالِهِمْ أَكْلَ الْمَوْقُوذَةِ وَالْمَيْتَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ . أَفَادَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ .
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=30فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ تَفْرِيعٌ عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ تَعْظِيمِ حُرُمَاتِهِ تَعَالَى . فَإِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28675تَرْكَ الشِّرْكِ وَاجْتِنَابَ الْأَوْثَانِ مِنْ أَعْظَمِ الْمُحَافَظَةِ عَلَى حُدُودِهِ تَعَالَى . وَ(مِنْ ) بَيَانِيَّةٌ . أَيْ : فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ الَّذِي هُوَ الْأَوْثَانُ ، كَمَا تُجْتَنَبُ الْأَنْجَاسُ . وَهُوَ غَايَةُ الْمُبَالَغَةِ فِي النَّهْيِ عَنْ تَعْظِيمِهَا وَالتَّنْفِيرِ عَنْ عِبَادَتِهَا . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : سَمَّى الْأَوْثَانَ رِجْسًا وَكَذَلِكَ الْخَمْرَ وَالْمَيْسِرَ وَالْأَزْلَامَ ، عَلَى طَرِيقِ التَّشْبِيهِ . يَعْنِي أَنَّكُمْ ، كَمَا تَنْفِرُونَ بِطِبَاعِكُمْ عَنِ الرِّجْسِ وَتَجْتَنِبُونَهُ ، فَعَلَيْكُمْ أَنْ تَنْفِرُوا عَنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مِثْلَ تِلْكَ النَّفْرَةِ . وَنَبَّهَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=90رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ جَعَلَ الْعِلَّةَ فِي اجْتِنَابِهِ أَنَّهُ رِجْسٌ ، وَالرِّجْسُ مُجْتَنَبٌ . وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=30وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ تَعْمِيمٌ بَعْدَ تَخْصِيصٍ . فَإِنَّ عِبَادَةَ الْأَوْثَانِ رَأْسُ الزُّورِ . كَأَنَّهُ لَمَّا حَثَّ عَلَى تَعْظِيمِ الْحُرُمَاتِ ، أَتْبَعَهُ ذَلِكَ ، رَدًّا لِمَا كَانَتِ الْكَفَرَةُ عَلَيْهِ مِنْ تَحْرِيمِ الْبَحَائِرِ وَالسَّوَائِبِ . وَتَعْظِيمُ الْأَوْثَانِ وَالِافْتِرَاءُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِأَنَّهُ حَكَمَ بِذَلِكَ ،
[ ص: 4339 ] وَإِعْلَامًا بِأَنَّ تَوْحِيدَ اللَّهِ وَنَفْيَ الشُّرَكَاءِ عَنْهُ ، وَصِدْقَ الْقَوْلِ ، أَعْظَمُ الْحُرُمَاتِ وَأَسْبَقُهَا خَطْوًا :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=31حُنَفَاءَ لِلَّهِ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ، مُنْحَرِفِينَ عَنِ الْبَاطِلِ إِلَى الْحَقِّ :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=31غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ أَيْ : شَيْئًا مِنَ الْأَشْيَاءِ . ثُمَّ ضَرَبَ لِلْمُشْرِكِ مَثَلًا فِي ضَلَالِهِ وَهَلَاكِهِ وَبُعْدِهِ عَنِ الْهُدَى ، فَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=31وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَيْ : سَقَطَ مِنْهَا فَقَطَّعَتْهُ الطُّيُورُ فِي الْهَوَاءِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=31أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ أَيْ : تُقَدِّمُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=31فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ أَيْ : بَعِيدٍ مُهْلِكٍ لِمَنْ هَوَى فِيهِ . وَ(أَوْ ) لِلتَّخْيِيرِ أَوِ التَّنْوِيعِ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : يَجُوزُ فِي هَذَا التَّشْبِيهِ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُرَكَّبِ وَالْمُفَرَّقِ . فَإِنْ كَانَ تَشْبِيهًا مُرَكَّبًا ، فَكَأَنَّهُ قَالَ : مَنْ أَشْرَكَ بِاللَّهِ فَقَدْ أَهْلَكَ نَفْسَهُ إِهْلَاكًا لَيْسَ بَعْدَهُ نِهَايَةٌ . بِأَنَّ صَوَّرَ حَالَهُ بِصُورَةِ حَالِ مَنْ خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَطَفَتْهُ الطَّيْرُ ، فَتَفَرَّقَ مِزَعًا فِي حَوَاصِلِهَا . أَوْ عَصَفَتْ بِهِ الرِّيحُ حَتَّى هَوَتْ بِهِ فِي بَعْضِ الْمَطَاوِحِ الْبَعِيدَةِ . وَإِنْ كَانَ مُفَرَّقًا ، فَقَدْ شَبَّهَ الْإِيمَانَ فِي عُلُوِّهِ بِالسَّمَاءِ ، وَالَّذِي تَرَكَ الْإِيمَانَ وَأَشْرَكَ بِاللَّهِ ، بِالسَّاقِطِ مِنَ السَّمَاءِ . وَالْأَهْوَاءَ الَّتِي تَتَوَزَّعُ أَفْكَارَهُ ، بِالطَّيْرِ الْمُخْتَطِفَةِ . وَالشَّيْطَانَ الَّذِي يُطَوِّحُ بِهِ فِي وَادِي الضَّلَالَةِ ، بِالرِّيحِ الَّتِي تَهْوِي بِمَا عَصَفَتْ بِهِ فِي بَعْضِ الْمَهَاوِي الْمُتْلِفَةِ . فَكَتَبَ النَّاصِرُ عَلَيْهِ : أَمَّا عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ مُفَرَّقًا فَيَحْتَاجُ تَأْوِيلُ تَشْبِيهِ الْمُشْرِكِ بِالْهَاوِي مِنَ السَّمَاءِ ، إِلَى التَّنْبِيهِ عَلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ : إِمَّا أَنْ يَكُونَ الْإِشْرَاكُ الْمُرَادُ رِدَّتَهُ ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ كَمَنْ عَلَا إِلَى السَّمَاءِ بِإِيمَانِهِ ثُمَّ هَبَطَ بِارْتِدَادِهِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْإِشْرَاكُ أَصْلِيًّا ، فَيَكُونُ قَدْ عَدَّ تَمَكُّنَ الْمُشْرِكِ مِنَ الْإِيمَانِ وَمِنَ الْعُلُوِّ بِهِ ثُمَّ عُدُولُهُ عَنْهُ اخْتِيَارًا ، بِمَنْزِلَةِ مَنْ عَلَا إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ هَبَطَ كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=257وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ فَعَدَّهُمْ مُخْرَجِينَ مِنَ النُّورِ وَمَا دَخَلُوهُ قَطُّ ، وَلَكِنْ كَانُوا مُتَمَكِّنِينَ مِنْهُ . وَفِي تَقْرِيرِهِ تَشْبِيهُ الْأَفْكَارِ الْمُتَوَزِّعَةِ لِلْكَافِرِ ، بِالطَّيْرِ الْمُخْتَطِفَةِ ، وَفِي تَشْبِيهِ تَطْوِيحِ الشَّيْطَانِ بِالْهَوِيِّ مَعَ الرِّيحِ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ - نَظَرٌ . لِأَنَّ الْأَمْرَيْنِ ذُكِرَا فِي سِيَاقِ تَقْسِيمِ حَالِ الْكَافِرِ إِلَى قِسْمَيْنِ . فَإِذَا جُعِلَ الْأَوَّلُ مَثَلًا لِاخْتِلَافِ الْأَهْوَاءِ
[ ص: 4340 ] وَالْأَفْكَارِ ، وَالثَّانِي مَثَلًا لِنَزْغِ الشَّيْطَانِ فَقَدْ جَعَلَهُمَا شَيْئًا وَاحِدًا . لِأَنَّ تَوَزُّعَ الْأَفْكَارِ وَاخْتِلَافَ الْأَهْوَاءِ ، مُضَافٌ إِلَى نَزْغِ الشَّيْطَانِ ، فَلَا يَتَحَقَّقُ التَّقْسِيمُ الْمَقْصُودُ . وَالَّذِي يَظْهَرُ فِي تَقْرِيرِ التَّشْبِيهَيْنِ غَيْرُ ذَلِكَ . فَنَقُولُ : لَمَّا انْقَسَمَتْ حَالُ الْكَفْرِ إِلَى قِسْمَيْنِ لَا مَزِيدَ عَلَيْهِمَا ، الْأَوَّلُ مِنْهُمَا : الْمُتَذَبْذِبُ وَالْمُتَمَادِي عَلَى الشَّكِّ وَعَدَمِ التَّصْمِيمِ عَلَى ضَلَالَةٍ وَاحِدَةٍ . فَهَذَا الْقِسْمُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مُشَبَّهٌ بِمَنِ اخْتَطَفَتْهُ الطَّيْرُ وَتَوَزَّعَتْهُ ، فَلَا يَسْتَوْلِي طَائِرٌ عَلَى مِزْعَةٍ مِنْهُ إِلَّا انْتَهَبَهَا مِنْهُ آخَرُ ، وَذَلِكَ حَالُ الْمُذَبْذِبِ . لَا يَلُوحُ لَهُ خَيَالٌ إِلَّا اتَّبَعَهُ وَنَزَلَ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ . وَالثَّانِي : مُشْرِكٌ مُصَمِّمٌ عَلَى مُعْتَقَدٍ بَاطِلٍ . لَوْ نُشِرَ بِالْمِنْشَارِ لَمْ يَكِعْ وَلَمْ يَرْجِعْ . لَا سَبِيلَ إِلَى تَشْكِيكِهِ ، وَلَا مَطْمَعَ فِي نَقْلِهِ عَمَّا هُوَ عَلَيْهِ ، فَهُوَ فَرِحٌ مُبْتَهِجٌ بِضَلَالَتِهِ .
فَهَذَا مُشَبَّهٌ فِي إِقْرَارِهِ عَلَى كُفْرِهِ ، بِاسْتِقْرَارِ مَنْ هَوَتْ بِهِ الرِّيحُ إِلَى وَادٍ سَافِلٍ فَاسْتَقَرَّ فِيهِ . وَيَظْهَرُ تَشْبِيهٌ بِالِاسْتِقْرَارِ فِي الْوَادِي السَّحِيقِ ، الَّذِي هُوَ أَبْعَدُ الْأَحِبَّاءِ عَنِ السَّمَاءِ ، وَصَفَ ضَلَالَهُ بِالْبُعْدِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=3أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ وَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=167ضَلُّوا ضَلالا بَعِيدًا أَيْ : صَمَّمُوا عَلَى ضَلَالِهِمْ فَبَعُدَ رُجُوعُهُمْ إِلَى الْحَقِّ فَهَذَا تَحْقِيقُ الْقِسْمَيْنِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ . انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَلَا يَخْفَى أَنَّ فِي النَّظْمِ الْكَرِيمِ مَسَاغًا لَهُ . إِلَّا أَنَّهُ لَا قَاطِعَ بِهِ . نَعَمْ ، هُوَ مِنْ بَدِيعِ الِاسْتِنْبَاطِ ، وَرَقِيقِ الِاسْتِخْرَاجِ . فَرَحِمَ اللَّهُ نَاسِخَهُ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابْنُ كَثِيرٍ : وَقَدْ ضَرَبَ تَعَالَى لِلْمُشْرِكِينَ مَثَلًا آخَرَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ . وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=71قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُنَا وَلا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى الْآيَةَ .