القول في تأويل قوله تعالى :
[4 - 5] وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون فقد جاءوا ظلما وزورا وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا
وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون فقد جاءوا ظلما أي : بجعل الصدق إفكا ، والبريء عن الإعانة معينا : وزورا أي : باطلا لا مصداق له ، يعلمون من أنفسهم أنه باطل وبهتان : وقالوا أساطير الأولين اكتتبها أي : ما سطروه ، كتبها لنفسه وأخذها : فهي تملى عليه أي : تلقى عليه ليحفظها : بكرة وأصيلا أي : دائما .
قال : وهذا الكلام ، لسخافته وكذبه وبهته منهم ، يعلم كل أحد بطلانه . فإنه قد علم بالضرورة : أن ابن كثير محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لم يكن يعاني شيئا من الكتابة ، لا في أول عمره ولا في آخره . وقد نشأ بين أظهرهم من أول مولده ، إلى أن بعثه الله نحوا من أربعين سنة ، وهم يعرفون مدخله ومخرجه وصدقه وبره ونزاهته وأمانته . وبعده عن الكذب والفجور وسائر الأخلاق الردية ، حتى إنهم كانوا يسمونه في صغره ، وإلى أن بعث (بالأمين ) لما يعلمون من صدقه وبره . فلما أكرمه الله بما أكرمه به ، نصبوا له العداوة ، ورموه بهذه الأقوال ، التي يعلم كل عاقل براءته منها . وحاروا بما يقذفونه به ، فتارة من إفكهم يقولون : ساحر . وتارة يقولون : شاعر . وتارة يقولون : مجنون . وتارة يقولون كذاب ، قال الله تعالى : انظر [ ص: 4565 ] كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا وقال تعالى في جواب ما افتروه هنا .