الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      القول في تأويل قوله تعالى :

                                                                                                                                                                                                                                      [50 - 52] ولقد صرفناه بينهم ليذكروا فأبى أكثر الناس إلا كفورا ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرا فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا .

                                                                                                                                                                                                                                      ولقد صرفناه أي : كررنا هذا القول الذي هو ذكر إنشاء السحاب وإنزال القطر : بينهم ليذكروا أي : ليتفكروا ويعتبروا ويعرفوا حق النعمة فيه ويشكروا : فأبى أكثر الناس إلا كفورا أي : كفران النعمة وجحودها : ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرا أي : نبيا ينذر أهله فيخف عليك أعباء النبوة . لكن لم نشأ ذلك ، فلم نفعله . بل قصرنا الأمر عليك حسبما ينطق به قوله تعالى : ليكون للعالمين نذيرا إجلالا لك وتعظيما ، وتفضيلا لك على سائر الرسل .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال المهايمي : أي : لكن لم نشأ . لأنه يقتضي تفرق الأمم ، وتكثر الاختلافات . [ ص: 4583 ] فجعلنا الواحد نذيرا للكل ليطيعوه أو يقاتلهم . والكفار يريدون أن يطيعهم الرسل أو يتركوهم على ما هم عليه : فلا تطع الكافرين أي : فقابل ذلك بالثبات والاجتهاد في الدعوة وإظهار الحق والتشدد والتصبر . ولا تطعهم فيما يريدونك عليه . وأراد بهذا النهي ، تهييجه وتهييج المؤمنين ، وتحريكهم . أي : إثارة غيرته وغيرتهم . وإلا فإطاعته لهم غير متصورة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال أبو السعود : كأنه نهي له ، عليه الصلاة والسلام ، عن المداراة معهم ، والتلطف معهم . أي : لأن في ذلك إضعافا للحق وتغشية عليه . وطول أمد في سريانه . ولذا قال : وجاهدهم به أي : بالقرآن وما نزل إليك من الحق : جهادا كبيرا أي : لا يخالطه فتور ، بأن تلزمهم بالحجج والآيات ، وتدعوهم إلى النظر في سائر الآنات ، لتتزلزل عقائدهم ، وتسمج في أعينهم عوائدهم . وهذه الآية من أصرح الأدلة في وجوب مجادلة المبطلين ، ودعوتهم إلى الحق بقوة ، والتفنن في محاجتهم بأفانين الأدلة . فإن الحق يتضح بالأدلة . كما أن الشهور تشتهر بالأهلة .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية