[43 - 44] وصدها ما كانت تعبد من دون الله إنها كانت من قوم كافرين قيل لها ادخلي الصرح فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها قال إنه صرح ممرد من قوارير قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين
وصدها أي: وكان صدها عن الهداية: ما كانت تعبد من دون الله إنها كانت من قوم كافرين قيل لها ادخلي الصرح أي: القصر، أو صحن الدار وكان سليمان عليه السلام اتخذ قصرا بديعا من زجاج، فأراد أن يريها منه عظمة ملكه وسلطانه، ومقدار ما آثره الله به: فلما رأته أي: صحنه: حسبته لجة أي: ماء عظيما: وكشفت أي: للخوض فيه: عن ساقيها قال إنه صرح ممرد أي: مملس: من قوارير أي: من الزجاج : قالت رب إني ظلمت نفسي أي: بكفرها السالف وعبادتها وقومها الشمس: وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين أي: متابعة له في دينه وعبادته لله وحده لا شريك له.
تنبيهات:
الأول: روى كثير من المفسرين ههنا أقاصيص لم تصح سندا ولا مخبرا. وما هذا سبيله، فلا يسوغ نقله وروايته.
قال الحافظ ابن كثير ، بعد أن ساق ما رواه عن ابن أبي شيبة مستحسنا له، ما مثاله: قلت: بل هو منكر غريب جدا. ولعله من أوهام عطاء على عطاء بن السائب ، والله أعلم. ابن عباس
ثم قال: والأقرب في مثل هذه السياقات أنها متلقاة عن أهل الكتاب، مما وجد في صحفهم. كروايات كعب ، سامحهما الله تعالى، فيما نقلاه إلى هذه الأمة من أخبار بني إسرائيل، من الأوابد والغرائب والعجائب. مما كان ومما لم يكن. ومما حرف وبدل ونسخ. ووهب
[ ص: 4671 ] وقد أغنانا الله سبحانه عن ذلك بما هو أصح منه وأنفع وأوضح وأبلغ، ولله الحمد والمنة.
الثاني: أشير في (التوراة) في الفصل الرابع من سفر الملوك الثالث إلى تفصيل نبأ سليمان عليه السلام وعظمة ملكه وسلطانه. ومما جاء فيه أن سليمان كان متسلطا على جميع الممالك من نهر الفرات إلى أرض فلسطين وإلى تخم مصر. وإن ملوك الأطراف كانوا يحملون له الهدايا خاضعين له كل أيام حياته أي: أنها تؤدي له الجزية، وإن كان محصورا في فلسطين. وأن الله تعالى آتاه حكمة وفهما ذكيا جدا، وسعة صدر. ففاقت حكمته حكمة جميع أهل المشرق وأهل مصر. وقال ثلاثة آلاف مثل. وتكلم. في الشجر، من الأرز الذي على لبنان إلى الزوفى التي تخرج في الحائط. وتكلم في البهائم والطير والزحافات والسمك. وأما صرحه وبيته عليه السلام، فقد جاء وصفه في الفصل الخامس من السفر المتقدم. وأنه أكمل بناءه في ثلاث عشرة سنة. وأنه بنى جازر وبيت حورون السفلى وبعلت وتدمر في أرض البرية. وجاء في الفصل العاشر من هذا السفر أيضا قصة ملكة سبأ ومقدمها من اليمن على سليمان لتخبر حكمته وعظمة ملكه، ودهشتها مما رأته وتحققته، وإيمانها بربه تعالى. ثم إعطاؤه إياها بغيتها. ثم انصرافها إلى أرضها.
وقد ذكرنا غير مرة أن القرآن الكريم لا يسوق أنباء ما تقدم سوق مؤرخ، بل يقصها موجزة ليتحقق أنه مصداق ما بين يديه، ومهيمن عليه، ولينبه على أن القصد منها موضع العبرة والحكمة. ومثار التبصر والفطنة.
الثالث: مما استنبط من آيات هذه القصة الجليلة، أن في قوله تعالى: فتبسم ضاحكا من قولها أنه لا بأس وفي قوله تعالى: بالتبسم والضحك عن التعجب وغيره. وتفقد الطير استحباب وأخذ منه بعضهم تفقد الإخوان، فأنشد: تفقد الملك أحوال رعيته.
تفقد الإخوان مستحسن فمن بداه نعم ما قد بدا سن سليمان لنا سنة
وكان فيما سنه مقتدى تفقد الطير على ملكه
فقال: ما لي لا أر الهدهدا
[ ص: 4672 ] وأن في قوله تعالى: لأعذبنه عذابا شديدا الآية، دليلا على أن العذاب على قدر الذنب، لا على قدر الجسد. وعلى جواز ونحو ذلك. وأن في قوله تعالى: تأديب الحيوانات والبهائم بالضرب عند تقصيرها في المشي وإسراعها فقال أحطت بما لم تحط به أن وأن في قوله تعالى: الصغير يقول للكبير والتابع للمتبوع: عندي من العلم ما ليس عندك، إذا تحقق ذلك. قال سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين قبول الوالي عذر رعيته، ودرءه العقوبة عنهم، وامتحان صدقهم فيما اعتذروا به. وأن في قوله تعالى: اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم إرسال الطير بالكتب. وأن في قوله تعالى: كتاب كريم استحباب ختم الكتب، لقول : كريم بمعنى مختوم. وأن في قوله تعالى: السدي قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري وأن في قوله تعالى: المشاورة والاستعانة بالآراء في الأمور المهمة. أتمدونن بمال الآية، استحباب كذا في (الإكليل) بزيادة. رد هدايا المشركين.
ثم أخبر تعالى عن ثمود وما كان من أمرها مع نبيها صالح عليه السلام، بقوله سبحانه: