القول في تأويل قوله تعالى:
[90 - 93] ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار هل تجزون إلا ما كنتم تعملون إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شيء وأمرت أن أكون من المسلمين [ ص: 4693 ] وأن أتلو القرآن فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فقل إنما أنا من المنذرين وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها وما ربك بغافل عما تعملون
ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار هل تجزون إلا ما كنتم تعملون أي: من الشرك والمعاصي: إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة أي: مكة: الذي حرمها أي: جعلها حرما آمنا لا يسفك فيها دم، ولا يظلم فيها أحد ولا يصاد صيدها ولا يختلى خلاها. وفيه تعريض بجحدهم نعمته تعالى في ذلك، حيث آمنهم من خوف، وأجلهم في أعين القبائل، ووقاهم من الفتن المنتشرة عند غيرهم، إجلالا لهذا البيت. وهم لم يرعوا هذه النعمة بالقيام بواجب شكرها، من عبادته تعالى وحده، وسعيهم بالإصلاح: وله كل شيء أي: خلقا وملكا. فهو خالق كل شيء ومليكه: وأمرت أن أكون من المسلمين أي: ممن أسلم وجهه لله، لا لغيره.
وأن أتلو القرآن أي: عليكم، تلاوة الدعوة إلى الإيمان به، لما اشتمل عليه من سعادة الدارين: فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه أي: فمن اتبع ما فيه من توحيد الله، ونفي الأنداد عنه، والدخول في الملة الحنيفية، واتباع ما أنزل علي من الوحي، فمنفعة اهتدائه راجعة إليه، لا إلي: ومن ضل فقل إنما أنا من المنذرين أي: ومن ضل عن الإيمان وأخطأ بزيغه طريق الهدى، ولم يتبعني، فلا علي. وما أنا إلا رسول منذر، وما على الرسول إلا البلاغ المبين: وقل الحمد لله أي: على ما هدانا لهذا الدين، ومن علينا بصراطه المستقيم: سيريكم آياته فتعرفونها كقوله تعالى: سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق وقوله: ولتعلمن نبأه بعد حين وما ربك بغافل عما تعملون أي: من الشرك والتكذيب ونصب المكايد. بل هو شهيد رقيب، جل جلاله وعظم نواله، ولا إله غيره.