القول في تأويل قوله تعالى:
[12 - 17] وحرمنا عليه المراضع من قبل فقالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق ولكن أكثرهم لا يعلمون ولما بلغ أشده واستوى آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه فوكزه موسى فقضى عليه قال هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم قال رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين
وحرمنا عليه المراضع من قبل أي: من قبل قصها أثره. و(المراضع) جمع مرضع [ ص: 4699 ] بضم الميم وكسر الضاد. وهي المرأة التي ترضع. وترك (التاء) لاختصاصه بالنساء. أو جمع (مرضع) بفتح الميم مصدر ميمي، جمع لتعدد مواده. أو اسم موضع الرضاع، وهو الثدي: فقالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون أي: في رضاعه وتربيته: فرددناه إلى أمه كي تقر عينها أي: برؤيته: ولا تحزن أي: بفراقه: ولتعلم أن وعد الله حق ولكن أكثرهم لا يعلمون ولما بلغ أشده أي: كمال قوته واستوى أي: اعتدل مزاجه: آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين أي: في أعمالهم. ثم بين تعالى من نبئه عليه السلام، ما تدرج به إلى ما قدر له من الرسالة، بقوله سبحانه: ودخل المدينة أي: مصر آتيا من قصر فرعون: على حين غفلة من أهلها قيل وقت القيلولة. وقيل بين العشائين: فوجد فيها رجلين يقتتلان أي: يتنازعان: هذا أي: الواحد: من شيعته أي: ممن يشايعه على دينه وهم بنو إسرائيل: وهذا أي: الآخر: من عدوه أي: من خالفه في دينه وهم القبط: فاستغاثه أي: سأله الإغاثة: الذي من شيعته لكونه مظلوما: على الذي من عدوه لكونه ظالما. واجبة فوجبت إغاثته من جهتين: وإغاثة المظلوم فوكزه موسى أي: ضربه بجمع كفه: فقضى عليه أي: فقتله: قال هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين يشير إلى تأسفه على ما أفضى وكزه، من قتله. وسماه ظلما واستغفر منه بالنسبة إلى مقامه: قال رب إني ظلمت نفسي أي: بقتله: فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم قال رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين يجوز أن يكون قسما جوابه محذوف. أي: أقسم بإنعامك علي بالمغفرة، لأتوبن ولا أظاهر المجرمين. وأن يكون استعطافا كأنه قال: رب! اعصمني بحق ما أنعمت علي من المغفرة. فلن أكون، إن عصمتني، ظهيرا للمجرمين. وأراد بمظاهرتهم، إما صحبة فرعون وانتظامه في جملته وتكثير سواده، وإما مظاهرة من أدت مظاهرته إلى الجرم والإثم، كمظاهرة الإسرائيلي المؤدية إلى القتل الذي لم يحل له. قاله . الزمخشري
قال الناصر: لقد تبرأ عليه السلام من عظيم. لأن ظهير المجرمين شريكهم فيما هم بصدده. [ ص: 4700 ] ويروى أنه يقال يوم القيامة: أين الظلمة وأعوان الظلمة؟ فيؤتى بهم حتى بمن لاق لهم ليقة، أو برى لهم قلما، فيجعلون في تابوت من حديد ويلقى بهم في النار.