القول في تأويل قوله تعالى:
[47 - 49] وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا .
وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا أي: ثوابا عظيما وأجرا جزيلا: ولا تطع الكافرين والمنافقين أي: فيما يرجفون به، ويعيبون من جاهليتهم وعوائدهم، بإلانة الجانب في التبليغ، والمسامحة في الإنذار والتمهل في الصدع بالحق: ودع أذاهم أي: إيصال الضرر إليهم، مجازاة لفعلهم. بل اعف واصفح. أو معناه: دع ما يؤذونك به بسبب صدعك إياهم. فالمصدر مضاف إلى الفاعل على الأول، وإلى المفعول على الثاني: وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا أي: موكولا إليه، وكفيلا فيما وعدك من النصر، ودحر ذوي الكفر.
يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات أي: تزوجتموهن: ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن أي: تجامعوهن: فما لكم عليهن من عدة تعتدونها أي: تستوفون عددها من إحصاء أقراء، ولا أشهر تحصونها عليهن: فمتعوهن أي: أعطوهن ما يستمتعن به من عرض [ ص: 4882 ] أو عين مال: وسرحوهن أي: خلوا سبيلهن بإخراجهن من منازلكم; إذ ليس لكم عليهن عدة: سراحا جميلا أي: من غير ضرار ولا منع حق.
تنبيه:
قال : هذه الآية الكريمة فيها أحكام كثيرة: ابن كثير
منها وليس في القرآن آية أصرح في ذلك منه، وقد اختلفوا في إطلاق النكاح على العقد وحده. على ثلاثة أقوال، واستعمال القرآن، إنما هو في العقد والوطء بعده، إلا في هذه الآية; فإنه استعمل في العقد وحده لقوله تعالى: النكاح; هل هو حقيقة في العقد وحده، أو في الوطء، أو فيهما؟ إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن
وفيها دلالة لإباحة وقوله تعالى: طلاق المرأة قبل الدخول بها، المؤمنات خرج مخرج الغالب; إذ لا فرق في الحكم بين المؤمنة والكتابية في ذلك، بالاتفاق.
وقد استدل رضي الله عنهما، ابن عباس وابن المسيب والحسن البصري وجماعة من السلف بهذه الآية، على أن الطلاق لا يقع إلا إذا تقدمه نكاح، لقوله تعالى: وزين العابدين، إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن بعقب النكاح بالطلاق، فدل على أنه لا يصح ولا يقع قبله. وهذا مذهب الشافعي ، وطائفة كثيرة من السلف والخلف، وأيده ما روي مرفوعا وأحمد آدم فيما لا يملك » رواه « لا طلاق لابن ، أحمد ، وأبو داود ، والترمذي . وقال وابن ماجه : هذا حديث حسن، وهو أحسن شيء روي في هذا الباب. وهكذا روى الترمذي عن ابن ماجه علي رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم: والمسور بن مخرمة . [ ص: 4883 ] وقوله تعالى: « لا طلاق قبل النكاح » فما لكم عليهن من عدة تعتدونها هذا أمر مجمع عليه بين العلماء، أن فتذهب فتتزوج في فورها من شاءت، ولا يستثنى من هذا إلا المرأة إذا طلقت قبل الدخول بها، لا عدة عليها. فإنها تعتد منه أربعة أشهر وعشرا، وإن لم يكن دخل بها، بالإجماع أيضا. المتوفى زوجها;
وقوله تعالى: فمتعوهن المتعة ههنا أعم من أن تكون نصف الصداق المسمى، أو المتعة الخاصة إن لم يكن قد سمى لها. قال تعالى: وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم وقال عز وجل: لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين
وعن : إن كان سمى لها صداقا، فليس لها إلا النصف، وإن لم يكن سمى لها صداقا، فأمتعها على قدر عسره ويسره، وهو السراح الجميل. انتهى. ابن عباس
وعليه، فالآية في المفوضية التي لم يسم لها. وقيل: الآية عامة. وعليه، فقيل الأمر للوجوب، وأنه يجب مع نصف المهر المتعة أيضا. ومنهم من قال للاستحباب، فيستحب أن يمتعها مع الصداق بشيء.
لطيفة:
قال الرازي: وجه تعلق الآية بما قبلها، هو أن الله تعالى في هذه السورة، ذكر مكارم الأخلاق، وأدب نبيه على ما ذكرناه. لكن الله تعالى أمر عباده المؤمنين بما أمر به نبيه المرسل، فكلما ذكر للنبي مكرمة، وعلمه أدبا، ذكر للمؤمنين ما يناسبه. فكما بدأ الله في تأديب النبي صلى الله عليه وسلم بذكر ما يتعلق بجانب الله، بقوله: يا أيها النبي اتق الله وثنى بما يتعلق بجانب العامة بقوله: يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا كذلك بدأ [ ص: 4884 ] في إرشاد المؤمنين بما يتعلق بجانب الله، فقال: يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا ثم ثنى بما يتعلق بجانب من تحت أيديهم بقوله: يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم، كما ثلث في تأديب النبي بجانب الأمة، ثلث في حق المؤمنين بما يتعلق بجانب نبيهم، فقال بعد هذا: يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي وبقوله: يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه انتهى.