القول في تأويل قوله تعالى:
[ 11 ] جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب .
جند ما أي: هم جند حقير: هنالك مهزوم من الأحزاب أي: الذين كانوا يتحزبون على الأنبياء قبلك، وأولئك قد قهروا وأهلكوا. وكذا هؤلاء. فلا تبال بما يقولون، ولا تكترث لما به يهذون. و: { هنالك } إشارة إلى حيث وضعوا فيه أنفسهم من الانتداب لمثل هذا القول، فهو مجاز. وجوز أن يكون حقيقة، للإشارة إلى مكان قولهم وهو مكة . قال : وعده الله وهو قتادة بمكة يومئذ، أنه سيهزم جندا من المشركين. فجاء تأويلها يوم بدر . وقال : هذه الآية كقوله جلت عظمته: ابن كثير أم يقولون نحن جميع منتصر سيهزم الجمع ويولون الدبر وكان ذلك يوم بدر ، وفي الآية أوجه من الإعراب أشار له [ ص: 5081 ] بقوله: { جند } يجوز فيه وجهان: السمين
أحدهما - وهو الظاهر - أنه خبر مبتدأ، أي: هم جند. و: { ما } فيها وجهان، أحدهما - أنها مزيدة. والثاني أنها صفة لـ: (جند)، على سبيل التعظيم، للهزء بهم، أو للتحقير. فإن (ما)، إذا كانت صفة تستعمل لهذين المعنيين.
و: { هنالك } يجوز فيه ثلاثة أوجه:
أحدها - أن يكون خبرا لـ: (جند). و(ما): مزيدة و: مهزوم نعت لـ: (جند).
والثاني - أن يكون صفة لـ: جند.
الثالث - أن يكون منصوبا بـ: (مهزوم). و: مهزوم يجوز فيه أيضا وجهان: أحدهما - أنه خبر ثان لذلك المبتدأ المقدر، والثاني أنه صفة لـ: (جند). و: { هنالك } مشار به إلى موضع التقاول، والمحاورة بالكلمات السابقة، وهو مكة ; أي: سيهزمون بمكة ، وهو إخبار بالغيب. وقيل: مشار به إلى نصرة الإسلام. وقيل: إلى حفر الخندق ، يعني إلى مكان ذلك.
الثاني - من الوجهين الأولين - أن يكون (جند): مبتدأ، و (ما) : مزيدة و: { هنالك } نعت و: مهزوم خبره. وفيه بعد، لتفلته عن الكلام الذي قبله. انتهى.
فائدة:
في هذه الآية أنه لما مرض ابن عباس أبو طالب دخل عليه رهط من قريش ، فيهم أبو جهل ، فقالوا إن ابن أخيك يشتم آلهتنا، ويفعل ويفعل، ويقول ويقول، فلو بعثت إليه فنهيته ! فبعث إليه. فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فدخل البيت، وبينهم، وبين أبي طالب قدر مجلس رجل. قال فخشي أبو جهل - لعنه الله - إن جلس إلى جنب أبي طالب ، أن يكون أرق له عليه. فوثب فجلس في ذلك المجلس. ولم يجد رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسا قرب عمه، فجلس عند الباب، فقال له أبو طالب : أي ابن أخي ! ما بال قومك يشكونك ! يزعمون أنك تشتم آلهتهم، وتقول وتقول، قال، وأكثروا عليه من القول. وتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: « يا عم ! أريدهم على كلمة واحدة يقولونها، تدين لهم بها العرب، وتؤدي إليهم بها العجم الجزية » . ففزعوا لكلمته ولقوله. فقال القوم: كلمة واحدة؟ نعم، وأبيك عشرا. فقالوا: وما هي؟ وقال أبو طالب : وأي كلمة هي يا ابن أخي؟ قال صلى الله عليه وسلم: « لا إله إلا الله » . فقاموا فزعين ينفضون ثيابهم وهم يقولون: [ ص: 5082 ] أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب ونزلت الآية . رواه روى ، ابن جرير ، والإمام أحمد ، والنسائي وحسنه. والترمذي