القول في تأويل قوله تعالى:
[ 20، 21]
nindex.php?page=treesubj&link=28723_32410_34092_29014nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=20وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم ما لهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون nindex.php?page=treesubj&link=30549_29014nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=21أم آتيناهم كتابا من قبله فهم به مستمسكون .
هذا بيان لضلال لهم آخر، في جدلهم وخصامهم وتعنتهم. وقد استدل المعتزلة بظاهر الآية في أنه تعالى لا يشاء الشرور والمعاصي. وأهل السنة تأولوا الآية بما يلاقي العقد الصحيح. وهو عموم مشيئته تعالى لكل شيء، الناطق به غير ما آية. ولما كانت هذه الآية وأخواتها من معارك الأنظار قديما وحديثا، آثرت أن أنقل هنا ما لمحققي المفسرين، جريا على قاعدتنا في التقاط نفائس ما للمتقدم، وتحلية مصنفاتنا بها، فنقول: قال
القاشاني : لما سمعوا من الأنبياء تعليق الأشياء بمشيئة الله تعالى، افترضوه وجعلوه ذريعة في الإنكار. وقالوا ذلك لا عن علم وإيقان، بل على سبيل العناد والإفحام. ولهذا ردهم الله تعالى بقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=20ما لهم بذلك من علم إذ لو علموا ذلك لكانوا موحدين، لا ينسبون التأثير إلا إلى الله. فلا يسعهم إلا عبادته دون غيره؛ إذ لا يرون حينئذ لغيره نفعا ولا ضرا
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=20إن هم إلا يخرصون لتكذيبهم أنفسهم في هذا القول بالفعل، حين عظموهم وخافوهم وخافوهم وخوفوا أنبياءهم من بطشهم، كما قال قوم
هود nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=54إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء ولما خوفوا
إبراهيم عليه السلام كيدهم، أجاب بقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=80ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئا [ ص: 5264 ] إلى قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=81وكيف أخاف ما أشركتم انتهى.
وفي البيضاوي وحواشيه: إن هذا القول استدلال منهم على امتناع النهي عن عبادة غيره تعالى أو على حسنها. يعنون أن عبادتهم الملائكة بمشيئته تعالى. فيكون مأمورا بها أو حسنة. ويمتنع كونها منهيا عنها أو قبيحة. وهذا الاستدلال باطل؛ لأن المشيئة لا تستلزم الأمر أو الحسن، لأنها ترجيح بعض الممكنات على بعض حسنا كان أو قبيحا. ولذلك جهلهم في استدلالهم هذا. والحاصل أن الإنكار متوجه إلى جعلهم ذلك دليلا على امتناع النهي عن عبادتهم، أو على حسنها: لا إلى هذا القول، فإنه كلمة حق أريد به باطل. انتهى.
وقال
الناصر في (الانتصاف): نحن معاشر أهل السنة نقول: إن
nindex.php?page=treesubj&link=34092كل شيء بمشيئته تعالى، حتى الضلالة والهدى، اتباعا لدليل العقل، وتصديقا لنص النقل. في أمثال قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=93يضل من يشاء ويهدي من يشاء وآية الزخرف هذه لا تزيد هذا المعتقد الصحيح إلا تمهيدا، ولا تفيده إلا تصويبا وتسديدا. فنقول: إذا قال الكافر: (لو شاء الله ما كفرت) فهذه كلمة حق أراد بها باطلا، أما كونها كلمة حق، فلما مهدناه. وأما كونها أراد بها باطلا، فمراد الكافر بذلك أن يكون له الحجة على الله، توهما أنه يلزم من مشيئة الله تعالى لضلالة من ضل، أن لا يعاقبه على ذلك؛ لأنه فعل مقتضى مشيئته.
ثم قال: فإذا وضح ما قلناه، فإنما رد الله عليهم مقالتهم هذه؛ لأنهم توهموا أنها حجة على الله. فدحض الله حجتهم، وأكذب أمنيتهم، وبين أن مقالتهم صادرة عن ظن كاذب وتخرص محض، فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=20ما لهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون و
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=24إن هم إلا يظنون وقد أفصحت أخت هذه الآية عن هذا التقدير. وذلك قوله تعالى
[ ص: 5265 ] في سورة الأنعام:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=148سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون فبين تعالى أن الحامل لهؤلاء على التكذيب بالرسل، والإشراك بالله، اغترارهم بأن لهم الحجة على الله بقولهم:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=148لو شاء الله ما أشركنا فشبه تعالى حالهم في الاعتماد على هذا الخيال، بحال أوائلهم. ثم بين أنه معتقد نشأ عن ظن خلب وخيال مكذب، فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=148إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون ثم لما أبطل أن يكون لهم في مقالتهم حجة على الله، أثبت تعالى الحجة له عليهم بقولهم:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=149فلله الحجة البالغة ثم أوضح أن الرد عليهم ليس إلا في احتجاجهم على الله بذلك. لا لأن المقالة في نفسها كذب. فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=149فلو شاء لهداكم أجمعين وهو معنى قولهم:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=148لو شاء الله ما أشركنا من حيث إن: { لو } مقتضاها امتناع الهداية لامتناع المشيئة. فدلت الآية الأخيرة على أن الله تعالى لم يشأ هدايتهم، بل شاء ضلالتهم. ولو شاء هدايتهم لما ضلوا، فهذا هو الدين القويم، والصراط المستقيم، والنور اللائح والمنهج الواضح. والذي يدحض به حجة هؤلاء، مع اعتقاد أن الله تعالى شاء وقوع الضلالة منهم، هو أنه تعالى جعل للعبد تأتيا وتيسرا للهداية وغيرها، من الأفعال الكسبية، حتى صارت الأفعال الصادرة منه مناط التكليف؛ لأنها اختيارية يفرق بالضرورة بينها وبين العوارض القسرية، فهذه الآية أقامت الحجة ووضحت لمن اصطفاه الله للمعتقدات الصحيحة المحجة، ولما كانت تفرقة دقيقة لم تنتظم في سلك الأفهام الكثيفة فلا جرم أن أفهامهم تبددت وأفكارهم تبدلت فغلت طائفة القدرية واعتقدت أن العبد فعال لما يريد على خلاف مشيئة ربه وجارت الجبرية فاعتقدت أن لا قدرة للعبد البتة ولا اختيار وأن جميع الأفعال صادرة منه على سبيل الاضطراب، أما أهل الحق فمنحهم الله من هدايته قسطا
[ ص: 5266 ] وأرشدهم إلى الطريق الوسطى فانتهجوا سبل السلام وساروا ورائد التوفيق لهم إمام، مستضيئين بأنوار العقول المرشدة إلى أن جميع الكائنات بقدرة الله تعالى ومشيئته ولم يغب عن أفهامهم أن يكون بعض الأفعال للعبد مقدورة لما وجدوه من التفرقة بين الاختيارية والقسرية بالضرورة لكنها قدرة تقارن بلا تأثير وتميز بين الضروري والاختياري في التصوير فهذا هو التحقيق، والله ولي التوفيق. انتهى.
وقد سبق في آية [ الأنعام] نقول عن الأئمة في الآية مسهبة: فراجعها إن شئت. وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=21أم آتيناهم كتابا من قبله أي من قبل هذا القرآن
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=21فهم به مستمسكون أي: يعملون به ويدينون بما فيه ويحتجون به عليك نظير قوله تعالى في الآية الأخرى:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=148قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا يعني بالعلم كتابا موحى في ذلك.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى:
[ 20، 21]
nindex.php?page=treesubj&link=28723_32410_34092_29014nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=20وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلا يَخْرُصُونَ nindex.php?page=treesubj&link=30549_29014nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=21أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ .
هَذَا بَيَانٌ لِضَلَالٍ لَهُمْ آخَرَ، فِي جَدَلِهِمْ وَخِصَامِهِمْ وَتَعَنُّتِهِمْ. وَقَدِ اسْتَدَلَّ الْمُعْتَزِلَةُ بِظَاهِرِ الْآيَةِ فِي أَنَّهُ تَعَالَى لَا يَشَاءُ الشُّرُورَ وَالْمَعَاصِيَ. وَأَهْلُ السُّنَّةِ تَأَوَّلُوا الْآيَةَ بِمَا يُلَاقِي الْعَقْدَ الصَّحِيحَ. وَهُوَ عُمُومُ مَشِيئَتِهِ تَعَالَى لِكُلِّ شَيْءٍ، النَّاطِقُ بِهِ غَيْرُ مَا آيَةٍ. وَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَأَخَوَاتُهَا مِنْ مَعَارِكِ الْأَنْظَارِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا، آثَرْتُ أَنْ أَنْقُلَ هُنَا مَا لِمُحَقِّقِي الْمُفَسِّرِينَ، جَرْيًا عَلَى قَاعِدَتِنَا فِي الْتِقَاطِ نَفَائِسِ مَا لِلْمُتَقَدِّمِ، وَتَحْلِيَةِ مُصَنَّفَاتِنَا بِهَا، فَنَقُولُ: قَالَ
القَاشَانِيُّ : لَمَّا سَمِعُوا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ تَعْلِيقَ الْأَشْيَاءِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى، افْتَرَضُوهُ وَجَعَلُوهُ ذَرِيعَةً فِي الْإِنْكَارِ. وَقَالُوا ذَلِكَ لَا عَنْ عِلْمٍ وَإِيقَانٍ، بَلْ عَلَى سَبِيلِ الْعِنَادِ وَالْإِفْحَامِ. وَلِهَذَا رَدَّهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=20مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِذْ لَوْ عَلِمُوا ذَلِكَ لَكَانُوا مُوَحِّدِينَ، لَا يَنْسُبُونَ التَّأْثِيرَ إِلَّا إِلَى اللَّهِ. فَلَا يَسَعُهُمْ إِلَّا عِبَادَتُهُ دُونَ غَيْرِهِ؛ إِذْ لَا يَرَوْنَ حِينَئِذٍ لِغَيْرِهِ نَفْعًا وَلَا ضُرًّا
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=20إِنْ هُمْ إِلا يَخْرُصُونَ لِتَكْذِيبِهِمْ أَنْفُسَهُمْ فِي هَذَا الْقَوْلِ بِالْفِعْلِ، حِينَ عَظَّمُوهُمْ وَخَافُوهُمْ وَخَافُوهُمْ وَخَوَّفُوا أَنْبِيَاءَهُمْ مِنْ بَطْشِهِمْ، كَمَا قَالَ قَوْمُ
هُودٍ nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=54إِنْ نَقُولُ إِلا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ وَلَمَّا خَوَّفُوا
إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَيْدَهُمْ، أَجَابَ بِقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=80وَلا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا [ ص: 5264 ] إِلَى قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=81وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ انْتَهَى.
وَفِي الْبَيْضَاوِيِّ وَحَوَاشِيهِ: إِنَّ هَذَا الْقَوْلَ اسْتِدْلَالٌ مِنْهُمْ عَلَى امْتِنَاعِ النَّهْيِ عَنْ عِبَادَةِ غَيْرِهِ تَعَالَى أَوْ عَلَى حُسْنِهَا. يَعْنُونَ أَنَّ عِبَادَتَهُمُ الْمَلَائِكَةَ بِمَشِيئَتِهِ تَعَالَى. فَيَكُونُ مَأْمُورًا بِهَا أَوْ حَسَنَةً. وَيَمْتَنِعُ كَوْنُهَا مَنْهِيًّا عَنْهَا أَوْ قَبِيحَةً. وَهَذَا الِاسْتِدْلَالُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْمَشِيئَةَ لَا تَسْتَلْزِمُ الْأَمْرَ أَوِ الْحُسْنَ، لِأَنَّهَا تَرْجِيحُ بَعْضِ الْمُمْكِنَاتِ عَلَى بَعْضٍ حَسَنًا كَانَ أَوْ قَبِيحًا. وَلِذَلِكَ جَهَّلَهُمْ فِي اسْتِدْلَالِهِمْ هَذَا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِنْكَارَ مُتَوَجِّهٌ إِلَى جَعْلِهِمْ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى امْتِنَاعِ النَّهْيِ عَنْ عِبَادَتِهِمْ، أَوْ عَلَى حُسْنِهَا: لَا إِلَى هَذَا الْقَوْلِ، فَإِنَّهُ كَلِمَةُ حَقٍّ أُرِيدَ بِهِ بَاطِلٌ. انْتَهَى.
وَقَالَ
النَّاصِرُ فِي (الِانْتِصَافِ): نَحْنُ مَعَاشِرَ أَهْلِ السُّنَّةِ نَقُولُ: إِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=34092كُلَّ شَيْءٍ بِمَشِيئَتِهِ تَعَالَى، حَتَّى الضَّلَالَةُ وَالْهُدَى، اتِّبَاعًا لِدَلِيلِ الْعَقْلِ، وَتَصْدِيقًا لِنَصِّ النَّقْلِ. فِي أَمْثَالِ قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=93يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَآيَةُ الزُّخْرُفِ هَذِهِ لَا تَزِيدُ هَذَا الْمُعْتَقَدَ الصَّحِيحَ إِلَّا تَمْهِيدًا، وَلَا تُفِيدُهُ إِلَّا تَصْوِيبًا وَتَسْدِيدًا. فَنَقُولُ: إِذَا قَالَ الكَافِرُ: (لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا كَفَرْتُ) فَهَذِهِ كَلِمَةُ حَقٍّ أَرَادَ بِهَا بَاطِلًا، أَمَّا كَوْنُهَا كَلِمَةَ حَقٍّ، فَلِمَا مَهَّدْنَاهُ. وَأَمَّا كَوْنُهَا أَرَادَ بِهَا بَاطِلًا، فَمُرَادُ الْكَافِرِ بِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ لَهُ الْحُجَّةُ عَلَى اللَّهِ، تَوَهُّمًا أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى لِضَلَالَةِ مَنْ ضَلَّ، أَنْ لَا يُعَاقِبَهُ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مُقْتَضَى مَشِيئَتِهِ.
ثُمَّ قَالَ: فَإِذَا وَضَحَ مَا قُلْنَاهُ، فَإِنَّمَا رَدَّ اللَّهِ عَلَيْهِمْ مَقَالَتَهُمْ هَذِهِ؛ لِأَنَّهُمْ تَوَهَّمُوا أَنَّهَا حُجَّةٌ عَلَى اللَّهِ. فَدَحَضَ اللَّهُ حُجَّتَهُمْ، وَأَكْذَبَ أُمْنِيَتَهُمْ، وَبَيَّنَ أَنَّ مَقَالَتَهُمْ صَادِرَةٌ عَنْ ظَنٍّ كَاذِبٍ وَتَخَرُّصٍ مَحْضٍ، فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=20مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلا يَخْرُصُونَ وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=24إِنْ هُمْ إِلا يَظُنُّونَ وَقَدْ أَفْصَحَتْ أُخْتُ هَذِهِ الْآيَةِ عَنْ هَذَا التَّقْدِيرِ. وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى
[ ص: 5265 ] فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=148سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلا تَخْرُصُونَ فَبَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ الْحَامِلَ لِهَؤُلَاءِ عَلَى التَّكْذِيبِ بِالرُّسُلِ، وَالْإِشْرَاكِ بِاللَّهِ، اغْتِرَارُهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْحُجَّةَ عَلَى اللَّهِ بِقَوْلِهِمْ:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=148لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا فَشَبَّهَ تَعَالَى حَالَهُمْ فِي الِاعْتِمَادِ عَلَى هَذَا الْخَيَالِ، بِحَالِ أَوَائِلِهِمْ. ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّهُ مُعْتَقَدٌ نَشَأَ عَنْ ظَنٍّ خُلَّبٍ وَخَيَالٍ مُكَذِّبٍ، فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=148إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلا تَخْرُصُونَ ثُمَّ لَمَّا أَبْطَلَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ فِي مَقَالَتِهِمْ حُجَّةٌ عَلَى اللَّهِ، أَثْبَتَ تَعَالَى الْحُجَّةَ لَهُ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِمْ:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=149فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ ثُمَّ أَوْضَحَ أَنَّ الرَّدَّ عَلَيْهِمْ لَيْسَ إِلَّا فِي احْتِجَاجِهِمْ عَلَى اللَّهِ بِذَلِكَ. لَا لِأَنَّ الْمَقَالَةَ فِي نَفْسِهَا كَذِبٌ. فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=149فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=148لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا مِنْ حَيْثُ إِنَّ: { لَوْ } مُقْتَضَاهَا امْتِنَاعُ الْهِدَايَةِ لِامْتِنَاعِ الْمَشِيئَةِ. فَدَلَّتِ الْآيَةُ الْأَخِيرَةُ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَشَأْ هِدَايَتَهُمْ، بَلْ شَاءَ ضَلَالَتَهُمْ. وَلَوْ شَاءَ هِدَايَتَهُمْ لَمَا ضَلُّوا، فَهَذَا هُوَ الدِّينُ الْقَوِيمُ، وَالصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ، وَالنُّورُ اللَّائِحُ وَالْمَنْهَجُ الْوَاضِحُ. وَالَّذِي يُدْحَضُ بِهِ حُجَّةُ هَؤُلَاءِ، مَعَ اعْتِقَادِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَاءَ وُقُوعَ الضَّلَالَةِ مِنْهُمْ، هُوَ أَنَّهُ تَعَالَى جَعَلَ لِلْعَبْدِ تَأَتِّيًا وَتَيَسُّرًا لِلْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا، مِنَ الْأَفْعَالِ الْكَسْبِيَّةِ، حَتَّى صَارَتِ الْأَفْعَالُ الصَّادِرَةُ مِنْهُ مَنَاطَ التَّكْلِيفِ؛ لِأَنَّهَا اخْتِيَارِيَّةٌ يُفَرَّقُ بِالضَّرُورَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَوَارِضِ الْقَسْرِيَّةِ، فَهَذِهِ الْآيَةُ أَقَامَتِ الْحُجَّةَ وَوَضَّحَتْ لِمَنِ اصْطَفَاهُ اللَّهُ لِلْمُعْتَقَدَاتِ الصَّحِيحَةِ الْمَحَجَّةَ، وَلَمَّا كَانَتْ تَفْرِقَةً دَقِيقَةً لَمْ تَنْتَظِمْ فِي سِلْكِ الْأَفْهَامِ الْكَثِيفَةِ فَلَا جَرَمَ أَنَّ أَفْهَامَهُمْ تَبَدَّدَتْ وَأَفْكَارَهُمْ تَبَدَّلَتْ فَغَلَتْ طَائِفَةُ الْقَدَرِيَّةِ وَاعْتَقَدَتْ أَنَّ الْعَبْدَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ عَلَى خِلَافِ مَشِيئَةِ رَبِّهِ وَجَارَتِ الْجَبْرِيَّةُ فَاعْتَقَدَتْ أَنْ لَا قُدْرَةَ لِلْعَبْدِ الْبَتَّةَ وَلَا اخْتِيَارَ وَأَنَّ جَمِيعَ الْأَفْعَالِ صَادِرَةٌ مِنْهُ عَلَى سَبِيلِ الِاضْطِرَابِ، أَمَّا أَهْلُ الْحَقِّ فَمَنَحَهُمُ اللَّهُ مِنْ هِدَايَتِهِ قِسْطًا
[ ص: 5266 ] وَأَرْشَدَهُمْ إِلَى الطَّرِيقِ الْوُسْطَى فَانْتَهَجُوا سُبُلَ السَّلَامِ وَسَارُوا وَرَائِدُ التَّوْفِيقِ لَهُمْ إِمَامٌ، مُسْتَضِيئِينَ بِأَنْوَارِ الْعُقُولِ الْمُرْشِدَةِ إِلَى أَنَّ جَمِيعَ الْكَائِنَاتِ بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَشِيئَتِهِ وَلَمْ يَغِبْ عَنْ أَفْهَامِهِمْ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْأَفْعَالِ لِلْعَبْدِ مَقْدُورَةً لِمَا وَجَدُوهُ مِنَ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الِاخْتِيَارِيَّةِ وَالْقَسْرِيَّةِ بِالضَّرُورَةِ لَكِنَّهَا قُدْرَةٌ تُقَارِنُ بِلَا تَأْثِيرٍ وَتَمَيُّزٍ بَيْنَ الضَّرُورِيِّ وَالِاخْتِيَارِيِّ فِي التَّصْوِيرِ فَهَذَا هُوَ التَّحْقِيقُ، وَاللَّهُ وَلِيُّ التَّوْفِيقِ. انْتَهَى.
وَقَدْ سَبَقَ فِي آيَةِ [ الْأَنْعَامِ] نُقُولٌ عَنِ الْأَئِمَّةِ فِي الْآيَةِ مُسْهَبَةٌ: فَرَاجِعْهَا إِنْ شِئْتَ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=21أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ أَيْ مِنْ قَبْلِ هَذَا الْقُرْآنِ
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=21فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ أَيْ: يَعْمَلُونَ بِهِ وَيَدِينُونَ بِمَا فِيهِ وَيَحْتَجُّونَ بِهِ عَلَيْكَ نَظِيرَ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=148قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا يَعْنِي بِالْعِلْمِ كِتَابًا مُوحًى فِي ذَلِكَ.