الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      القول في تأويل قوله تعالى:

                                                                                                                                                                                                                                      [19] ولكل درجات مما عملوا وليوفيهم أعمالهم وهم لا يظلمون .

                                                                                                                                                                                                                                      ولكل أي: من الفريقين: درجات مما عملوا أي: مراتب من جزاء ما عملوا من صالح وسيئ: وليوفيهم أعمالهم أي: جزاءها: وهم لا يظلمون أي: ينقص ثواب، ولا زيادة عقاب.

                                                                                                                                                                                                                                      تنبيه:

                                                                                                                                                                                                                                      روى ابن جرير عن ابن عباس أن هذه الآية نزلت في ابن لأبي بكر الصديق . وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال: نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر ، قال لأبويه -وهما أبو بكر وأم رومان ، وكانا قد أسلما، وأبى هو أن يسلم، فكانا يأمرانه بالإسلام، فكان يرد عليهما ويكذبهما ويقول: فأين فلان، وأين فلان؟ يعني مشايخ قريش ممن قد مات. فأسلم بعد، فحسن إسلامه - فنزلت توبته في هذه الآية: ولكل درجات مما عملوا

                                                                                                                                                                                                                                      قال الحافظ ابن حجر : لكن نفي عائشة أن تكون نزلت في عبد الرحمن وآل بيته، أصح إسنادا وأولى بالقبول؛ وذلك ما رواه البخاري ، والإسماعيلي، والنسائي ، وأبو يعلى أن مروان [ ص: 5351 ] كان عاملا على المدينة ، فأراد معاوية أن يستخلف يزيد، فكتب إلى مروان بذلك، فجمع مروان الناس فخطبهم، فذكر يزيد، ودعا إلى بيعته وقال: إن الله أرى أمير المؤمنين في يزيد رأيا حسنا، وإن يستخلفه، فقد استخلف أبو بكر وعمر. فقال عبد الرحمن : ما هي إلا هرقلية! فقال مروان : سنة أبي بكر وعمر . فقال عبد الرحمن : هرقلية! إن أبا بكر ، والله! ما جعلها في أحد من ولده، ولا في أهل بيته، وما جعلها معاوية إلا كرامة لولده ! فقال مروان : خذوه. فدخل بيت عائشة ، فلم يقدروا عليه. فقال مروان : إن هذا الذي أنزل الله فيه: والذي قال لوالديه أف لكما أتعدانني فقالت عائشة من وراء الحجاب: ما أنزل الله فينا شيئا من القرآن، إلا أن الله أنزل عذري. ولو شئت أن أسمي من نزلت فيه لسميته، ولكن رسول الله لعن أبا مروان ، ومروان في صلبه.

                                                                                                                                                                                                                                      ومما يؤيده أن: الذين حق عليهم القول هم المخلدون في النار في علم الله تعالى، وعبد الرحمن كان من أفاضل المسلمين، وسرواتهم، وحاول بعضهم عدم التنافي بأن يقع منه ذلك قبل إسلامه، ثم يسلم بعد ذلك. ومعلوم أن الإسلام يجب ما قبله ، وأن معنى الوعيد في الآية إنما هو للمصرين عليه الذين لم يقلعوا، لكثرة ما ورد في العفو عن التائبين، وقد نزل من الوعيد الشديد في أول البعثة آيات لا تحصى، وكلها تنعى على من كان مشركا آنئذ، ولم يقل أحد بشمولها لهم بعد إيمانهم، أو أن فيها ما يحط من أقدارهم، ويجعلها مغمزا لهم، إلا أن مروان لم يجد لمقاومة ما ألقمه إلا الشغب، وشغل الناس عن باطله بنغمة يطرب لها الجهلة، وقالة يلوكها الرعاع، وهم الذين يهمه أمرهم. ويرحم الله عبد الرحمن! فقد شفى الغلة، وصدع بالحق، في حين أن لا ظهير له، ولا نصير -والله أعلم-.

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن قتيبة في (المعارف): أربعة رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسق: أبو قحافة، وابنه أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وابنه عبد الرحمن بن أبي بكر، وابنه محمد بن عبد الرحمن.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال أيضا: قيل: كان عبد الرحمن من أفضل قريش ، ويكنى أبا محمد، وله عقب بالمدينة ، [ ص: 5352 ] وليسوا بالكثير، مات فجأة سنة ثلاث وخمسين بجبل يقرب من مكة ، فأدخلته عائشة الحرم ودفنته وأعتقت عنه. انتهى.

                                                                                                                                                                                                                                      وفي دمشق في مقبرة باب الفراديس، المسماة بالدحداح، مزار يقال إنه عبد الرحمن بن أبي بكر ، نسب إليه زورا. وما أكثر المزورات في المزارات، كما يعلمه من دقق في الوفيات.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية